"سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي" (المَزَامير 119: 105) . . . . "كلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ" (يُوحَنَّا 17: 17 ب) . . . . "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ" (مَتَّى 5: 17) . . . . "أَرْسِلْ نُورَكَ وَحَقَّكَ هُمَا يَهْدِيَانِنِي وَيَأْتِيَانِ بِي إِلَى جَبَلِ قُدْسِكَ وَإِلَى مَسَاكِنِكَ. فَآتِي إِلَى مَذْبَحِ اللهِ إِلَى اللهِ بَهْجَةِ فَرَحِي وَأَحْمَدُكَ بِالْعُودِ يَا اللهُ إِلَهِي" (المَزَامير 43: 3-4)

ألكتاب المُقدس

الكتاب المُقدس؛ مخطوطة للتوراة

( أ ) مقدمة للكتاب المُقدس
(عودة إلى قائمة المحتويات)

يُعتبر الكتاب المقدس من أكثر الكتب انتشارا في العالم اليوم. فقد تم ترجمته إلى أكثر من 530 لغات. بالإضافة إلى ذلك، تم ترجمة أجزاء منه إلى أكثر من 2880 لغة ولهجة مستخدمة في العالم. وهو ليس كتابا واحدا، لكنه يحتوي على العديد من الكتب. فالكتاب المقدس ينقسم إلى قسمين رئيسيين: العهد القديم الذي يتضمّن تسعة وثلاثين كتابا (سفرا) والأسفار القانونية الثانية، والعهد الجديد الذي يحتوي على سبعة وعشرين كتاب (سفر). تشكّل كتب (أسفار) العهد القديم الكتب العبرية المقدسة لليهود. ما زال اليهود ينتظرون مجيئ السيد المسيح لأنهم رفضوه في مجيئه الأول. لذا، هم لا يعترفون بكتب العهد الجديد. على النقيض من ذلك، تشكل كتب العهد القديم جزءا من الكتاب المقدس الذي يؤمن به المسيحيون.

تمت كتابة العهد القديم قرونا قبل مجيئ السيد المسيح. تمت كتابة العهد الجديد في القرن الأول الميلادي، بعد صعود السيد المسيح، بواسطة وحي إلهي لرسل وتلاميذ السيد المسيح القديسين. تم كتابة كلَ كتب الكتاب المقدس في ثلاثة قارات: آسيا، وأفريقيا، وأوروبا على مدى حوالي 1500 سنة بواسطة وحي إلهي لحوالي 44 نبي ورسول عاشوا في تقوى وورع وصلاح في أماكن مختلفة مُتفرقة على مدى قرون من الزمان. كان هؤلاء الكتاب ذي خلفيات وثقافات متنوعة. كان بعضهم ملوكا وكهنة؛ والبعض الآخر أطباءا، ومزارعين، ورعاة أغنام، وصيادين أسماك، وصانعي خيام. لكنه رغم إختلاف ثقافاتهم، كلّ كتب الكتاب المقدس متوافقة ومنسجمة مع بعضها، وتعكس نفس المبادئ الأساسية، لأن روح الله الأبدي الحيّ الذي ليس له بداية ولا نهاية هو الذي أوحى بها. على الرغم من تنوع واختلاف لغات وثقافات وأزمِنة وأعمار الذين كتبوا كُتب الكتاب المقدس، تتجلى وحدة رائعة في رسالتها وهدفها ولآهوتياتها. ذلك بالطبع لأن المؤلف الأساسي للكتاب المقدس هو الإله الحيّ الأبدي الذي أوحى إلى كلّ الكتّاب البشريين الذين عكسوا شخصياتهم وأساليبهم المختلفة في الكتابات المقدّسة. هذا، في حد ذاته، برهان كافي على المصدر الإلهي للكتاب المقدس: "لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (2 بطرس 1: 21)؛ "إِنَّ الْكِتَابَ بِكُلِّ مَا فِيهِ، قَدْ أَوْحَى بِهِ اللهُ؛ وَهُوَ مُفِيدٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ وَالتَّقْوِيمِ وَتَهْذِيبِ الإِنْسَانِ فِي الْبِرِّ" (2 تيموثاوس 3: 16).

إذا أردنا عمل مقارنة سريعة، نجد أن القرآن هو عمل رجل واحد محمد في بضعة سنوات (حوالي 23 سنة). الكتاب المقدس ليس عمل رجل واحد في بضعة سنوات كما ذكرنا سابقا. لقبول القرآن، يجب على المسلم أن يقبل أولا محمد ويثق به رغم إخفاقاته الأخلاقية الجدية الكثيرة. من ناحية أخرى، وحي كتب الكتاب المقدس جاء إلى حوالي 44 نبي ورسول صالحين جديربن بالثقة على مدى قرون من الزمان كما أوضحنا أعلاه.

أعلن الله عن ذاته تدريجيا في تاريخ إسرائيل القديمة كما هو مدون في الكتاب المقدس. بلغ هذا ذروته في شخص يسوع المسيح. إذا درسنا وتأملنا في الكتاب المقدس نجد أن السيد المسيح هو الفكرة الرئيسية فيه، فهو وحدة متماسكة متكاملة مركزة حول شخصه. يعلن الوحي الإلهي في الكتاب المقدس الحق تدريجيا. يسرد الكتاب المقدس القصة التاريخية لخلاص الجنس البشري بحسب الترتيب الإلهي مبتدءا من خليقة العالم ومنتهيا بنهاية وختام تاريخ البشرية، ثم الخليقة الجديدة للعالم بعد معركة روحية طويلة بين الخير والشر. يعطي الكتاب المقدس رسالته بأساليب أدبية مختلفة. فبعض أجزاء تروي أحداثا تاريخية. بينما تعطي أجزاءا أخرى حديث الله المباشر بواسطة عبارات مثل: "قَالَ الرَّبُّ؛" "فَكَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ قائلا؛" "صَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى" (الْخُرُوجِ 6: 1؛ 7: 1؛ 9: 1؛ إِشَعْيَاءَ 1: 10، 18؛ 6: 8؛ إِرْمِيَا 1: 4؛ حِزْقِيَالَ 1: 3؛ إلخ).

العهد القديم (التوراة؛ إلخ) يحتوي على أشخاص وأحداث متعددة تتنبّأ بالسيد المسيح وتشير إليه. كما يحتوي على إشارات ورموز لعمله ولشخصه، ونبوءات لمجيئه الأول والثاني. فالهدف الأساسي للعهد القديم هو الوعد والإعداد لمجيئ السيد المسيح المنتظر لخلاص البشر من الموت الروحي (الإنفصال عن الله). وجاء العهد الجديد (الإنجيل؛ إلخ) ليحقَق رسالة العهد القديم التي تنبأت عن إنقاذ البشر من عبودية الخطيئة والفساد بواسطة السيد المسيح. لذلك، الكتاب المقدس في كليته، بكلّ أقسامه وكتبه، وحدة متكاملة متوافقة.

حاول كثير من النقاد أن يجدوا أخطاءا أو متناقضات في الكتاب المقدس دون جدوى. فقد باءت كل محاولاتهم بالفشل. ترد الأبحاث التالية على ادعاءاتهم وتفندها:
1. N. Geisler and T. Howe, When Critics Ask (Grand Rapids, MI: Baker Books, 1992).
2. W. Kaiser Jr., P. Davids, F. Bruce and M. Brauch, Hard Sayings of the Bible (Downers Grove, IL: InterVarsity Press, 1996).
3. G. Archer, Encyclopedia of Bible Difficulties (Grand Rapids, MI: Zondervan, 1982).
في الواقع، فحص بعض عباقرة القانون الكتاب المقدس بتدقيق. فمثلا، فحص الخبير القانوني الذائع الصيت سيمون جرينليف العهد الجديد (الإنجيل) بدقة ووصل إلى الاستنتاج الآتي: "الأناجيل الأربعة المتداولة عالميا يمكن أن تقبلها أي دار قضاء بدون تردد كدليل وبينة:"
N. Geisler and A. Saleeb, Answering Islam [Grand Rapids, MI: Baker Books, 2002], p. 231, Trans. St. Mark Assn

الكتاب المقدس هو مجموعة من الكتب المتنوعة تشتمل على قانون وتاريخ وشعر ونبوة. فهم أسلوب الكتاب هو جزء أساسي من تفسيره. أسلوب الكتاب يؤثر على طريقة تفسيره. هناك جمال وقوة في التنوع والكتاب المقدس يعكس ذلك.

الكتاب المقدس هو كتاب لجميع الشعوب والأشخاص في كل الأزمنة مهما اختلفت خلفياتهم—من البسطاء إلى الفلاسفة واللاهوتيين. يستمتع القارئون بجمال وبساطة أسلوبه وبالتسلسل الزمني المنتظم لأحداثه التاريخية. أعلنت إحدى شخصيات رواية إخوة كرامازوف للروائي الروسي المشهور دستويفسكي أن الكتاب المقدس هو معجزة تعطي قوة للإنسان. كل الأشياء في الكتاب المقدس، وبه قانون لكل شيء لكافة الأزمنة كقالب مصبوب للعالم وللإنسان وللطبيعة البشرية. وكم من أسرار يكشفها ويحلها.

(ب) العهد القديم (التوراة، إلخ)
(عودة إلى قائمة المحتويات)

تحتوي كتب (أسفار) العهد القديم (باستثاء الأسفار القانونية الثانية) أحداثا تمت عبر آلاف السنوات منذ خلق الأرض إلى حوالي سنة 400 قبل الميلاد. اللغة العبرية هي اللغة الأصلية لكتب العهد القديم ، بإستثناء أجزاء من سفر دانيال وعزرا وإرميا التي كُتِبت باللغة الآرامية. تشمل التوراة اليهودية الكتب الخمسة الأولى في العهد القديم، وتحتوي على أحداث فترة آلاف السنوات منذ الخلق إلى موت موسى النبي. يمكن تقسيم كتب (أسفار) العهد القديم إلى ثلاثة أقسام رئيسية. القسم الأول هو القسم التاريخي ويحتوي على الكتب السبعة عشر الأولى في العهد القديم (من سفر التكوين إلى سفر أستير). القسم الثالث هو قسم النبوءات ويحتوي على الكتب السبعة عشر الأخيرة للعهد القديم (من كتاب إشعياء النبي إلى كتاب ملاخي النبي). القسم الثاني هو القسم الشعري ويحتوي على الكتب الخمسة التي تقع بين القسم الأول والقسم الثالث للعهد القديم (من كتاب أيوب إلى كتاب نشيد الأنشاد). تروي الكتب التاريخية تاريخ تعاملات الله مع البشرية للإعداد لمجئ السيد المسيح، مخلّص البشر. تتأمل الكتب الشعرية في مواضيع هامة للحياة البشرية، مثل: معاناة الصّديقين، العبادة، الحكمة، والمحبةّ. تتضمّن كتب النبوءات نبُوّات، وتعاليم، وتحذيرات، وحثّ إلى التوبة.

(ج) العهد الجديد (الإنجيل، إلخ)
(عودة إلى قائمة المحتويات)

اللغة الأصلية لكتب (أسفار) العهد الجديد هي اللغة اليونانية العامية المستخدمة في وقت السيد المسيح في الإمبراطورية الرومانية حيث قام المسيحيون الأولون بالتبشير. ولقد نضجت وكملت هذه اللغة وكانت مستخدمة قبل مجيء السيد المسيح بأكثر من قرنين من الزمان. لم يكتب السيد المسيح شيئا بنفسه. هو نفسه الكلمة الحيّة للإله الحقيقي. الكتب الأربع الأولى في العهد الجديد هي الأناجيل وقد كتبها رسولين (متى ويوحنا) وتلميذين مبشرين مسيحيين (مرقس ولوقا). تصف الأناجيل سمات مختلفة من حياة، وتعاليم، وأعمال السيد المسيح في مجيئه الأول على الأرض. كتبت الأناجيل في أماكن مختلفة على الأرض إلى شعوب متعددة—إنجيل مرقس في مدينة روما، إنجيل متى في مدينة أنطاكية، إنجيل لوقا في اليونان، وإنجيل يوحنا في آسيا الصغرى (تركيا). على الرغم من ذلك، يكملوا ويؤيدوا ويؤكدوا بعضهم البعض. إن الانسجام بين الأناجيل حول الحقائق الأساسية، مع الاختلاف في بعض التفاصيل بسبب عملية الاختيار والعرض، يمنح ثقة في دقة التاريخ الذي يسردوه.

الكتاب الأخير في العهد الجديد هو رؤيا يوحنا اللاهوتي الذي تمت كتابته في حوالي سنة 95 ميلادية، حوالي خمسة قرون قبل وقت محمد. يحتوي هذا الكتاب على نبوءات عن مجيئ النبي الكذاب والمسيح الدجال قبل المجيئ الثاني للسيد المسيح إلى الأرض في مجد وقوة ليدين الأحياء والأموات في نهاية هذا العصر. يصف كتاب أعمال الرسل إنتشار إنجيل السيد المسيح، وتكوين ونمو الكنيسة الأولى في مناطق مختلفة من العالم في الثلاثين سنة التي عقبت صعود السيد المسيح إلى السماء.

أما بقيّة كتب العهد الجديد فهي واحد وعشرون رسالة كتبها رسل وتلاميذ السيد المسيح إلى كنائس قديمة عديدة وأشخاص في مناطق مختلفة من العالم القديم لتوضيح رسالة الإنجيل ولشرح جوانب مختلفة للإيمان المسيحي بخصوص مسائل عقيدية وأخلاقية وأمور تتعلق بالنظام الكنسي. تنقسم الرسائل إلى مجموعتين رئيسيتين: أربعة عشر رسالة كتبها القديس بولس الرسول، وسبع رسائل كتبها رسل وتلاميذ مسيحيون آخرون. كتب القديس بولس الرسول إلى كنائس معينة (كنائس رومية وكورنثوس وغلاطية وأفسس وفيلبي وكولوسي وتسالونيكي)، كما كتب إلى أشخاص (تيموثاؤس وتيطس وفليمون). الرسائل السبع الأخريات معروفة بالرسائل العامة (يعقوب وبطرس الأولى والثانية ويوحنا الأولى والثانية والثالثة ويهوذا). كُتبت بعض هذه الرسائل لمجموعات من الكنائس وبعضها الآخر كتب إلى كل الكنائس. على سبيل المثال، كُتبت رسالة يعقوب لكل اليهود الذين تحولوا إلى المسيحية في العالم القديم. كُتبت رسالة بطرس الأولى إلى كل اليهود الذين تحولوا إلى المسيحية في آسيا الصغرى. رغم أن رسائل يوحنا الثانية والثالثة موجهة إلى أشخاص إلا إنها تكمل رسالة يوحنا الأولى لذلك تعتبر من الرسائل العامة.

كُتبت كل كتب العهد الجديد بين سنة 50 وسنة 95م. وقد كتبها بوحي من روح الله القدوس شهود عيان، أو تلاميذ حصلوا على معلوماتهم من شهود رافقوا السيد المسيح وشاهدوا معجزاته واستمعوا إلى تعاليمه: "لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ" (بُطْرُسَ الثَّانِيَةُ 1: 16). قرب كتابة كتب العهد الجديد للأحداث التي تسجلها تؤكد دقة ما تسجله. ذلك لأنه قد انتشرت كتب العهد الجديد بين شهود عيان كثيرين كان في مقدرتهم أن يؤكدوا أو ينكروا صحة المكتوب، كما قال القديس بطرس الرسول لليهود: "أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ اسْمَعُوا هَذِهِ الأَقْوَالَ: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللهُ بِيَدِهِ فِي وَسَطِكُمْ كَمَا أَنْتُمْ أَيْضاً تَعْلَمُونَ" (أَعْمَالِ الرُّسُلِ 2: 22). في الواقع، كان بعض هؤلاء الشهود العيان أعداءا للمسيحية وكان بودهم التشهير بأخطاء في كتب العهد الجديد إذا وجدوها. إلا أن مثل هذه الأخطاء لم توجد. لقد استشهد مئات من الشهود العيان لأجل إيمانهم المسيحي، بما في ذلك أحد عشر من رسله، وفيما بعد بولس الرسول. إنهم لم يموتوا من أجل أكذوبة لفقها البعض. يقبل الناس الإستشهادة فقط من أجل حقيقة يؤمنون بها.

بالإضافة إلى الكتب القانونية للكتاب المقدس المذكورة أعلاه، يوجد العديد من الكتابات اليهودية واليهودية-المسيحية الغير قانونية تم تأليفها في الفترة بين حوالي 200 قبل الميلاد إلى حوالي 200 ميلادي. تدعي معظم هذه الكتابات أن مؤلفيها يهود قدماء مشهورين عاشوا في الماضي البعيد قبل تأليف هذه الكتب. فندت كنائس العالم باستمرار هذه الكتب وأدانتها.

إنجيل برنابا هو إضافة متأخرة لهذه الكتب الغير قانونية. إنه كتاب مزيف مزور ترفضه جميع كنائس العالم. يعتقد العلماء أن الذي ألفه هو يهوديا إعتنق الإسلام وعاش في أسبانيا في العصور الوسطى (حوالي القرن الخامس عشر الميلادي). يحتوي على أخطاء تاريخية وجغرافية واجتماعية وعلمية وتجاديف وخرافات وتناقضات داخلية كثيرة. كما أنه يحتوي على تعاليم كثيرة تناقض تعاليم اليهودية والمسيحية والإسلام. يشبه هذا القرآن المزور الذي كتبه الفضل بن الربيع، وهو مخالف للقرآن الذي يؤمن به عامة المسلمين؛ والأحاديث الدخيلة غير الصحيحة المزورة التي يرفضها المسلمون. تناقش هذه الصفحة هذا الكتاب

( د) أصالة نصّ الكتاب المُقدس
(عودة إلى قائمة المحتويات)

1. المخطوطات الأثرية تثبت أصالة نصّ الكتاب المُقدس

النصّ القانوني التقليدي للعهد القديم (التوراة) أنتقل عبر القرون بدقة بالغة. أقدم مخطوطات لكتب (أسفار) العهد القديم باللغة العبرية تعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد، حوالي 800 سنة قبل محمد. إكتشف هذه المخطوطات ولد راعي أغنام في سنة 1947 في كهوف الوديان الصخرية في فلسطين المطلة على الشاطئ الشمالي للبحر الميت. لهذا عُرفت بمخطوطات البحر الميت. هذه المخطوطات متفقة مع كتب العهد القديم التي لدينا اليوم وتؤكد صحتها ودقتها. تستطيع رؤيتهم معروضين في متحف الكتاب في مدينة القدس. أقدم ترجمة للغة اليونانية لكتب العهد القديم (التوراة؛ إلخ) هي الترجمة السبعينية، وترجع إلى القرن الثالث قبل الميلاد.

أقدم مخطوطات يونانية موجودة لأجزاء من كتب العهد الجديد (الإنجيل؛ إلخ) تعود إلى أواخر القرن الأول الميلادي، حوالي 500 سنة قبل وقت محمد. مجموعة مخطوطات على أوراق بردي معروفة بإسم تشيستر بيتي (أواخر القرن الثاني إلى القرن الثالث الميلادي) تحتوي على أغلب كتب العهد الجديد، وهم متفقون مع كتب العهد الجديد التي عندنا اليوم. كما توجد أكثر من 5600 نسخة مخطوطة باللغة اليونانية لكتب العهد الجديد أو أجزاء منها في متاحف ومكتبات مختلفة. قد تم إنتاج أكثر من 800 مخطوطة يونانية قبل عام 1000. وتم إنتاج أكثر من 250 مخطوطة يونانية قبل عام 600. في الواقع، المخطوطات الأثرية لكتب العهد الجديد أكثر من المخطوطات الأثرية لأي وثيقة أخرى قديمة. كما أن ترجمات القرن الثاني السريانية والقبطية القديمة التي بحوزتنا تؤكد دقة نصّ العهد الجديد الذي لدينا اليوم. وإجمالا، هناك أكثر من عشرين ألف مخطوطة أثرية للعهد الجديد بلغات مختلفة (اليونانية والسريانية والقبطية واللاتينية وغيرها).

بالإضافة إلى هذا، أكثر من 32,000 اقتباسات من كتب العهد الجديد بواسطة آباء الكنيسة في القرون الثلاثة الأولى للمسيحية قبل 325 م متفقة تماما مع نص كتب العهد الجديد. كما أن مؤلفات الباحث دين برجن المدونة في 16 مجلد في المتحف البريطاني تحتوي على 86,478 اقتباسات من كتب العهد الجديد بواسطة زعماء الكنيسة في الفترة 325-570 م:
(Brother Mark, A Perfect Qur’an, 1983, p. 348)
ولهذا استنتج دين برجن أنة يمكن تجميع كتب العهد الجديد بأكملها من هذه الاقتباسات.

أقدم مخطوطات للكتاب المقدس بأكمله (العهد القديم والجديد) باللغة اليونانية هي الآتي: المخطوطة الفاتيكانية في مكتبة الفاتيكان (أوائل القرن الرابع الميلادي)، المخطوطة السينائية في المتحف البريطاني (منتصف القرن الرابع الميلادي)، المخطوطة الإسكندرية في المتحف البريطاني (القرن الخامس الميلادي)، والمخطوطة الإفرايمية في المكتبة القومية بباريس (القرن الخامس الميلادي). خبراء المخطوطات القديمة، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية، متفقون على أن الكتاب المقدس قد وصلنا بدقة استثنائية.

بالإضافة إلى هذا، الإكتشافات الأثرية تثبت دقة الحقائق التاريخية، والثقافية، والإجتماعية، والجغرافية التي يشير إليها الكتاب المقدس. لقد مات محمد في سنة 632 ميلادية، بعد كتابة كل كتب الكتاب المقدس ببضعة قرون من الزمان. ألئك الذين يزعمون تغيير وتحريف الكتاب المقدس لكي يبرروا الاختلافات والتناقضات الكثيرة بين القرآن والكتاب المقدس ليس لديهم أي دليل يدعم إدعائهم، لأنه كما ذكرنا سابقا، كل المخطوطات الأثرية القديمة للكتاب المقدس التي سبقت وقت محمد والقرآن ببضعة قرون من الزمان متفقة تماما مع بعضها البعض ومع الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) الذي لدينا اليوم، باستثناء اخطاء نسخ تافهة لا تؤثر على مبادئ الإيمان المسيحي.

من المستحيل عمليا أن يتم تغيير بنفس الطريقة الآلاف من نسخ التوراة والإنجيل التي كانت متداولة في جميع أنحاء العالم بلغات مختلفة قبل وقت محمد. لم يكن هناك سلطة مركزية تحكم كل العالم المسيحي حتى القرن الرابع الميلادي، بعد حوالي 300 سنة من وقت المسيح. لم يكن لأحد في القرون المسيحية الأولى السلطة أن يأمر باستدعاء آلاف النسخ المتداولة، وتدميرها، وإصدار نسخ مختلفة رسمية. لم يوجد مثل هذا الشخص أو المجموعة أو السجل. في الواقع، وُجدت اختلافات مذهبية كبرى بين اليهود والمسيحيين وبين مختلف الطوائف المسيحية. لذلك، لا يمكنهم أبدا الاتفاق على تغيير الكتاب المقدس. هكذا، من الواضح أنّ الإدّعاء بأنّ الكتاب المقدس قد تغيّر لأسباب متعلقة بمُحمّد هو إدعاء باطل بالتأكيد لأنه يتناقض مع الحقائق التاريخية التي تدحض ذلك الإدّعاء. الأدلة العلمية القاطعة المتوفرة اليوم تثبت نهائيا فشل هذا الإدّعاء.

من المثير للاهتمام أن ما لم يحدث للكتاب المقدس أصاب القرآن. كان للخليفة عثمان، ثالث الخلفاء الراشدين، سلطة مركزية على جميع الإمبراطورية الإسلامية من 644 إلى 656م. بعد حوالي عشرين عاما من موت محمد، إستدعى جميع المخطوطات القرآنية، ودمرها بالنار، وأصدر نسخا رسمية جديدة على الرغم من الإعتراضات القوية للعديد من المسلمين.

2. حقائق لاهوتية تثبت أصالة نصّ الكتاب المُقدس
(عودة إلى قائمة المحتويات)

كلمة الوحي الإلهي في الكتاب المقدس غير قابلة للتغيير. "إِلَى الأَبَدِ يَا رَبُّ كَلِمَتُكَ مُثَبَّتَةٌ فِي السَّمَاوَاتِ" (المَزَامير 119: 89؛ بطرس الأولى 1: 24-25). يؤكد السيد المسيح نفس المبدأ قائلا: "اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ" (مَرْقُسَ 13: 31؛ لوقا 16: 17؛ متى 5: 18؛ 24: 35). لقد أرسل الله كلمته في الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل، إلخ). انه يحميها من التحريف والفساد.

1. الله الحي الحقيقي، خالق الكون، كلي القدرة. هو أقوى بكثير من مخلوقاته (البشر، والشياطين، إلخ). لا يستطيع أي مخلوق التغلب عليه وتغيير وحيه وكلماته. ألئك الذين يدعون تحريف الكتاب المقدس يرتكبون خطيئة التجديف وإهانة الله سبحانه وتعالى باتهامه بالضعف والعجز عن حماية وحيه المكتوب في التوراة والإنجيل. هذه خطيئة جدية خطيرة مميتة. "مَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ (المسيح) يُغْفَرُ لَهُ وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ لاَ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَلاَ فِي الآتِي. ... إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَاباً يَوْمَ الدِّينِ" (متى 12: 32، 36).

2. يكون الله مضللا شعبه اذا سمح بتغيير وتحريف كلماته. الإله الحقيقي لا يضل البشر. تحريف كلام الله يناقض، ليس فقط صدقه وقوته وحكمته، ولكن أيضا أمانته (التَّثْنِيَةِ 7: 9).

3. يحفظ الله كلمته ويحميها من التحريف والفساد ليس فقط لهداية الجنس البشري، بل وأيضا لدينونته. لا يضل الله شعبه من اليهود والمسيحيين قرونا طويلة بكتاب مقدس محرف. إذ لا يمكنه أن يدينهم لشرورهم إذا كان قد أضلهم.

4. إذا عجز الله عن حماية الكتاب المقدس من التحريف، لعجز أيضا عن حماية القرآن من التحريف. إما أن نثق في كل الوحي الإلهي، أو لا نثق فيه بأكمله بدون استثناء.

3. أصالة نصّ الكتاب المُقدس بحسب القرآن
(عودة إلى قائمة المحتويات)

من المهم جدا أن يعرف ألئك الذين يؤمنون بالقرآن موقف القرآن بالنسبة لأصالة نص التوراة (العهد القديم) والإنجيل (العهد الجديد). يشهد القرآن ويؤكد بآيات كثيرة على صحة نص التوراة والإنجيل وسلامته من التحريف. يتحدث القرآن عن التوراة والإنجيل بكل وقار واحترام وإجلال، ويؤكد أنهما لم يُلغَيا. يشهد القرآن أنه: "... وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّه..." (الأنعام 6: 34، 115؛ يونس 10: 64؛ الكهف 18: 27)؛ "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون" (الحجر 15: 9)؛ "سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا" (الأحزاب 33: 62)؛ "سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا" (الفتح 48: 23)؛ "... فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا" (فاطر 35: 43). يعني هذا أن إله التوراة والإنجيل الحي القوي القادر على كل شيء يحفظ كلمة وحيه في كتبه المقدسة (التوراة والإنجيل) من التغيير والتحريف حتى لا تنخدع أجيال المستقبل بنص محرف.

نقدم هنا بحثا مختصرا عن موقف القرآن بالنسبة لأصالة وصحة نص التوراة (العهد القديم) والإنجيل (العهد الجديد). يعلن القرآن أن التوراة الأصلية الصحيحة كانت موجودة في القرن الأول الميلادي في وقت يسوع (عيسى) ويوحنا المعمدان (يحيى):
"يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّة..." (مريم 19: 12)؛ "وَيُعَلِّمُهُ (عيسى) الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ" (آلعمران 3: 48)؛ "وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاة..." (الصف 61: 6)؛ "وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ" (المائدة 5: 46)؛ "وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ (التوراة) وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ" (التحريم 66: 12)؛ "إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيل" (المائدة 5: 110).

يؤكد القرآن صحة وأصالة نص التوراة والإنجيل (الكتاب المقدس) في وقت محمد في القرن السابع الميلادي:
"وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى (التوراة) إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ (القرآن) مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا..." (الأحقاف 46: 12)؛ "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ (القرآن) بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ (التوراة والإنجيل) وَمُهَيْمِنًا عَلَيْه..." (المائدة 5: 48)؛ "وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ (الإنجيل والتوراة) وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ" (يونس 10: 37)؛ "...وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيل وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ..." (التوبة 9: 111)؛ "وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ (التوراة والإنجيل)..." (فاطر 35: 31؛ يوسف 12: 111؛ غافر 40: 69-71؛ الأحقاف 46: 12، 29-30؛ البقرة 2: 91؛ آلعمران 3: 3-4؛ النساء 4: 47).

كما يتحدث القرآن عن محاولة بعض اليهود العرب الغير مؤمنين في المدينة أن يغيروا نص القرآن، وأن يحرفوا قراءة ومعنى وتفسير التوراة (البقرة 2: 40-42، 75، 91، 140، 174؛ آلعمران 3: 70، 78؛ النساء 4: 46-47؛ المائدة 5: 13؛ إلخ). لا تعني ولا تقترح هذه الآيات أن بعض اليهود الغير مؤمنين حاولوا تغيير نص التوراة. كما أنه من الواضح أن هذه الآيات لا تذكر الإنجيل على الإطلاق ولا تنطبق عليه.

يستند ويلتجئ القرآن إلى التوراة والإنجيل ويحتج بهما:
"...قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" (آلعمران 3: 93)؛ "وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّه..." (المائدة 5: 43)؛ "وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (المائدة 5: 47)؛ "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ..." (المائدة 5: 68—كانت هذه آخر سورة في القرآن في سنة 10 هجرية؛ النجم 53: 36-37 الشعراء 26: 196-197؛ الإسراء 17: 101؛ الرعد 13: 43؛ الأعراف 7: 170؛ آلعمران 3: 79؛ النساء 4: 60؛ المائدة 5: 45).

يقتبس القرآن من الكتاب المقدس ويستشهد به: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون" (الأنبياء 21: 105)—هذا اقتباس مباشر من مزمور 37: 29 "الصِّدِّيقُونَ يَرِثُونَ الأَرْضَ وَيَسْكُنُونَهَا إِلَى الأَبَدِ." "وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ (اليهود) فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ..." (المائدة 5: 45)—هذا اقتباس آخر من الشريعة التي أعطاها الله لموسى النبي في التوراة، الْخُرُوجِ 21: 23-25: "وَإِنْ حَصَلَتْ أَذِيَّةٌ تُعْطِي نَفْساً بِنَفْسٍ وَعَيْناً بِعَيْنٍ وَسِنّاً بِسِنٍّ وَيَداً بِيَدٍ وَرِجْلاً بِرِجْلٍ وَكَيّاً بِكَيٍّ وَجُرْحاً بِجُرْحٍ وَرَضّاً بِرَضٍّ."

يشهد القرآن بالوحي الإلهي في الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل):
"إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا" (النساء 4: 163, 54)؛ "كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (الشورى 42: 3؛ الحديد 57: 27)؛ "...قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ... قُلِ اللّهُ (أنزله)..." (الأنعام 6: 91؛ البقرة 2: 87)؛ "إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ..." (المائدة 5: 44، 46؛ الأنعام 6: 154؛ الأنبياء 21: 105؛ الفرقان 25: 35؛ القصص 28: 43؛ المؤمنون 23: 49؛ السجدة 32: 23).

يشير القرآن إلى التوراة والإنجيل أنهما المقياس والقاعدة الأساسية والإرشاد والهداية: "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِين" (الأنبياء 21: 48)؛ "وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون" (البقرة 2: 53؛ آلعمران 3: 3-4؛ المائدة 5: 43، 47، 68).

يحث القرآن العرب الغير مؤمنين أن يسألوا أهل الكتاب (اليهود والمسيحيين) عن الأنبياء. طبعا هذا لن يفيدهم شيئا بل وقد يبلبل أفكارهم إذا كانت التوراة والإنجيل، مصدر معرفة أهل الكتاب، قد تم تحريفهما:
"وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْر إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" (الأنبياء 21: 7)؛ "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ (الكتاب المقدس) إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" (النحل 16: 43).
في الواقع، يأمر القرآن محمدا نفسه أن يتعلم من أهل الكتاب (اليهود والمسيحيين). معنى ذلك أن التوراة والإنجيل، مصادر معرفتهم وإيمانهم، كانت أصلية وصحيحة وخالية من التحريف والمصدر الرئيسي للهداية:
"فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِك..." (يونس 10: 94).

واضح من كل الشهود القرآنية الكثيرة السابقة أن القرآن يؤكد أن نص التوراة والإنجيل (الكتاب المقدس) في وقت محمد في القرن السابع الميلادي كان نصا أصليا صحيحا غير محرفا. نص الكتاب المقدس الذي لدينا اليوم يتفق مع نص الكتاب المقدس في وقت محمد. فالنصان يتفقان مع المخطوطات القديمة للكتاب المقدس التي سبقت وقت محمد ببضعة قرون. كما أن القرآن والحديث والتعليقات والتفسيرات الإسلامية القديمة لا تدعي مطلقا إلغاء التوراة والإنجيل أو أي أجزاء منهما. على العكس من ذلك، يؤكد القرآن أنه يصدق على وحي التوراة والإنجيل (البقرة 2: 89، 91، 97، 101؛ آل عمران 3: 2-3؛ المائدة 5: 43، 47، 48، 68؛ الأنعام 6: 92؛ الأحقاف 46: 12؛ إلخ). مبدأ نسخ (إلغاء) الوحي الإلهي ينطبق فقط على القرآن.

في الواقع، يأمر القرآن المسلم أن يؤمن بالتوراة والإنجيل معلنا أن كل الكتب المقدسة سواء، مما يعني أنه ينبغي على المسلم أن يقرأهما باحترام وتبجيل: "قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (آلعمران 3: 84؛ البقرة 2: 4، 136، 285)؛ "والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ" (البقرة 2: 4)؛ "... وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ... أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا" (النساء 4: 162؛ العنكبوت 29: 46)؛ "إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً، أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا" (النساء 4: 150-151، 70-72، 136). توضح هذه الآيات للمسلم أن الإيمان بالقرآن فقط غير كاف. بل ينبغي أن يؤمن أيضا بالتوراة والإنجيل (الكتاب المقدس بأكمله) حتى يحصل على الثواب الأعظم.

4. أصالة نصّ الكتاب المُقدس بحسب التعليم الإسلامي التقليدي
(عودة إلى قائمة المحتويات)

في العصر الإسلامي الأول، قبل المسلمون الكتاب المقدس كوحي إلهي صادق (إبن اسحاق النديم (ت. 990م)، فهرست، جزء 1، ص 45). ذكر الإمام البخاري (ت. 870) في الحديث أنه "لا يمكن لأحد أن يحرف النص بإزالة أي من كلمات الله من كتبه، لكنهم حرفوه بأساءة تفسيره." وافق الرازي (864-930) على هذا الرأي. فقد ورد في تفسيره للقرآن أنه "من المستحيل أن تكون هناك مؤامرة لتغيير أو تبديل كلمة الله في كل هذه النسخ دون إغفال أي نسخة. مثل هذه المؤامرة لن تكون منطقية أو ممكنة."

بعد ذلك، ابتدأ اثنان من العلماء الإسلاميين الأسبانيين ابن خازم (994-1064 م) وبيروني (973-1050) يدّعيا، بدون أي برهان أو دليل يدعم ادعائهما، أن نص العهد الجديد (الإنجيل) قد تغير وتحرف. سبب إدعاءهم هذا أنهم أرادوا أن يبرروا الاختلافات والمتناقضات الكثيرة بين تعاليم الإنجيل والقرآن:

"تثبت الدراسات الإسلامية أن ابن خازم الذي توفى في كوردوبا (أسبانيا) في 1064 م هو الذي ابتدأ ادعاء تحريف الإنجيل. واجه ابن خازم مشكلة المتناقضات بين القرآن والإنجيل في دفاعه عن الإسلام ضد المسيحيين. أحد الأمثلة الواضحة لهذه المتناقضات هي الآية القرآنية القائلة: "وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ..." (النساء 4: 157). بحسب منطق ابن خازم، أنه إذا كان القرآن صادق، فلابد أن النص الإنجيلي المناقض باطل. لكن يقول محمد باحترام الإنجيل. لذلك لابد أن المسيحيين قد حرفوا النص الحالي للإنجيل. لم يكن هذا الاستنتاج مؤسسا على حقائق تاريخية، بل كان مؤسسا فقط على منطقه وتفكيره الشخصي وعلى رغبته في الدفاع عن القرآن. بدا له أن هذه هي أسهل وسيلة لمهاجمة معارضيه. فبحسب منطقه وتفكيره، أن ادعاءه بتحريف الإنجيل يؤدي إلى أن يفقد معارضوه حججهم التي تستند على الإنجيل. أدى تفكيره هذا إلى ادعائه بأن "المسحيين قد فقدوا الإنجيل الموحى به فيما عدا القليل منه الذي حفظه الله كحجة ضدهم."

على الرغم من هذه الإدعاءات، قبل كثير من المفكرين المسلمين مبدأ أصالة نص الإنجيل. شهادتهم تثبت أن المناقشات المسيحية-الإسلامية لن تتوقف بسبب ادعاءات ابن خازم. إثنين من المؤرخين الإسلاميين المشهورين، إبن مسعودي (ت. 956 م) وابن خلدون (ت. 1406 م) أيدا وتمسكا بمبدأ أصالة نص الإنجيل. كما وافق على هذا المبدأ أربعة من العلماء المسلمين المشهورين: علي الطبري (ت. 855)، قاسم الخزاني (ت. 860)، عمرو الغاخز (ت. 869)، والغزالي (ت. 1111). وقد وافق أبو علي حسين ابن سينا (ت. 1037) على موقفهم. ولقد استشهد البخاري (ت. 870) بالقرآن نفسه (العمران 3: 72، 78) لكي يثبت أن نص الكتاب المقدس لم يُحرف."
Can We Trust the Gospel? J. Wingaard; as cited from The Islamic Christian Controversy, G. Nehls, p. 1f, Trans. St. Mark Assn.

( ه ) نبوءات الكتاب المُقدس
(عودة إلى قائمة المحتويات)

بكتب العهد القديم (التوراه) كثير من النبوءات عن المجئ الأول والثاني للسيد المسيح (تقريبا 60 نبوءة مباشرة رئيسية و270 نبوءة غير مباشرة). تحققت نبوءات المجئ الأول في التجسد، وحياة، ومعجزات، وصلب، وقيامة السيد المسيح: "ثُمَّ قَالَ (السيد المسيح) لَهُمْ: ’هَذَا هُوَ الكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا مَازِلْتُ بَيْنَكُمْ: أَنَّهُ لاَبُدَّ أَنْ يَتِمَّ كُلُّ مَا كُتِبَ عَنِّي فِي شَرِيعَةِ مُوسَى وَكُتُبِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ‘" (لوقا 24: 44، 27؛ متى 5: 17؛ يوحنا 5: 39؛ العبرانيين 10: 7). لذا، إذا أردت أن تعرف أكثر عن حياة وأعمال وتعاليم السيد المسيح، لعلّك تقرأ الإنجيل. ويمكن أن تبدأ بإنجيل لوقا وتتبعه بإنجيل يوحنا.

نبوءات الكتاب المقدس التي تحققت مئات السنين بعد الإيحاء بها هي براهين مؤكدة على المصدر الإلهي للكتاب المقدس. "لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (بُطْرُسَ الثَّانِيَةُ 1: 21). نقدم مقتطفات من بعض النبوءات عن السيد المسيح وكيف تحققت نبوءات المجيء الأول في التاريخ:

1. في القرن الثامن قبل الميلاد، تنبأ إشعياء النبي عن ميلاد السيد المسيح من عذراء: "هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيل (الذي معناه: الله معنا)" (إِشَعْيَاءَ 7: 14). تحققت هذه النبوءة بميلاد يسوع (عيسى) من العذراء مريم حوالي عام 5 قبل الميلاد: "أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هَكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (مَتَّى 1: 18).

2. في القرن الثامن قبل الميلاد، تنبأ ميخا النبي عن مكان ميلاد السيد المسيح: "أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ" (مِيخَا 5: 2). تحققت هذه النبوءة بميلاد السيد المسيح في قرية بيت لحم في حوالي عام 5 قبل الميلاد: "وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ" (مَتَّى 2: 1).

3. في القرن السادس قبل الميلاد، تنبأ النبي زكريا عن دخول السيد المسيح القدس منتصرا، قائلا: "اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ..." (زَكَرِيَّا 9: 9). تحققت هذه النبوءة في حوالي 30م: "وَفِي الْغَدِ سَمِعَ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ الَّذِي جَاءَ إِلَى الْعِيدِ أَنَّ يَسُوعَ آتٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ. فَأَخَذُوا سُعُوفَ النَّخْلِ وَخَرَجُوا لِلِقَائِهِ وَكَانُوا يَصْرُخُونَ: أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ! وَوَجَدَ يَسُوعُ جَحْشاً فَجَلَسَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ" (يُوحَنَّا 12: 12-14؛ متي 21: 1-11؛ مرقس 11: 1-10؛ لوقا 19: 29-38).

4. وأيضا، في القرن السادس قبل الميلاد، تنبأ زكريا النبي بخيانة يهوذا للسيد المسيح في مقابل ثلاثين من الفضة (زكريا 11: 12-13). تحققت هذه النبوءة في حوالي 30م. "حِينَئِذٍ ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنَ الاِثْنَيْ عَشَرَ الَّذِي يُدْعَى يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ. وَقَالَ: مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُونِي وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟ فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ" (متي 26: 14-15؛ 27: 3-10). وقد تنبأ داود النبي عن خيانة يهوذا أيضا في المزمور 41: 9 في القرن العاشر قبل الميلاد.

5. في القرن الرابع قبل الميلاد، تنبأ ملاخي النبي عن مجيء يوحنا المعمدان لإعداد الطريق أمام السيد المسيح (ملاخي 3: 1). ولقد تحققت هذه النبوة بشهادة يوحنا (يحيى، آل عمران 3: 39) عن السيد المسيح، قائلا: "... إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ" (يوحنا 1: 32، 30).

6. في القرن العاشر قبل الميلاد، تنبأ داود النبي والملك بتفاصيل صلب السيد المسيح: "... ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ. يَقْسِمُونَ ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي يَقْتَرِعُونَ" (الْمَزَامِيرُ 22: 16، 18)؛ "كُلُّ الَّذِينَ يَرُونَنِي يَسْتَهْزِئُونَ بِي. يَفْغَرُونَ الشِّفَاهَ وَيُنْغِضُونَ الرَّأْسَ قَائِلِينَ: اتَّكَلَ عَلَى الرَّبِّ فَلْيُنَجِّهِ. لِيُنْقِذْهُ لأَنَّهُ سُرَّ بِهِ" (اَلْمَزَامِيرُ 22: 7-8)؛ "...وَفِي عَطَشِي يَسْقُونَنِي خَلاًّ" (اَلْمَزَامِيرُ 69: 21)؛ "يَحْفَظُ جَمِيعَ عِظَامِهِ. وَاحِدٌ مِنْهَا لاَ يَنْكَسِرُ" (اَلْمَزَامِيرُ 34: 20). تحققت هذه النبوءات بصلب السيد المسيح في حوالي عام 30 ميلادية: "وَلَمَّا صَلَبُوهُ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا: مَاذَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ؟" (مَرْقُسَ 15: 24)؛ "وَكَانَ الْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ ..." (مَرْقُسَ 15: 29)؛ "فَرَكَضَ وَاحِدٌ وَمَلَأَ إِسْفِنْجَةً خَلاًّ وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاهُ..." (مَرْقُسَ 15: 36)؛ "وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ لأَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ" (يوحنا 19: 33).

7. في القرن الثامن قبل الميلاد، تنبأ إشعياء النبي أنه، على الرغم من برائة يسوع، سوف يُحسب مع الأشرار، وسوف يُدفن مع الأغنياء بعد موته: "وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ... وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ" (إِشَعْيَاءَ 53: 9، 12). تحققت هذه النبوءة في صلب ودفن السيد المسيح في حوالي عام 30 ميلادية: "وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّيْنِ وَاحِداً عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ" (مرقس 15: 27؛ متى 27: 57-60). وقد تنبأ إشعياء النبي أيضا عن ضرب يسوع والاستهزاء به وأهانته (إشعياء 50: 6). ولقد تحققت هذه النبوات كما هو مسجل في إنجيل متى 26: 67-68؛ 27: 26.

8. في القرن العاشر قبل الميلاد، تنبأ داود النبي والملك بقيامة السيد المسيح قائلا: "لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً" (الْمَزَامِيرُ 16: 10). كما تنبأ يسوع عن قيامته من الأموات: "أَجَابَ يَسُوعُ: انْقُضُوا هَذَا الْهَيْكَلَ وَفِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ. فَقَالَ الْيَهُودُ: فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هَذَا الْهَيْكَلُ أَفَأَنْتَ فِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟ وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ" (يُوحَنَّا 2: 19-21). تحققت هذه النبوات بقيامة السيد المسيح من الأموات في حوالي عام 30 ميلادية. كتب القديس بولس الرسول: "فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ وَأَنَّهُ دُفِنَ وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلِاثْنَيْ عَشَرَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ أَكْثَرُهُمْ بَاقٍ إِلَى الآنَ. وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا. وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ. وَآخِرَ الْكُلِّ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ظَهَرَ لِي أَنَا " (1 كُورِنْثُوس 15: 3-8؛ متى 28: 5-7؛ يوحنا 20: 19-20، 27؛ 21: 1-23؛ مرقس 16: 9-13؛ أَعْمَالِ الرُّسُلِ 1: 3؛ إلخ). لقد أستشهد كل رسل السيد المسيح لشهادتهم فيما عدا يوحنا الرسول.

9. تنبأ دانيال النبي في القرن السادس قبل الميلاد عن مجيء السيد المسيح الثاني في مجد وقوة لدينونة العالم: "كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ (السيد المسيح) أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ (الله الآب) فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ" (دَانِيآلَ 7: 13-14). ستتحقق حذه النبوة بالمجيء الثاني للسيد المسيح في نهاية هذا العصر: "فَقَالَ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ (المسيح) جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِياً فِي سَحَابِ السَّمَاءِ" (مَرْقُسَ 14: 62؛ 13: 26).

بالإضافة إلى النبوءات عن المسيح في كتب العهد القديم (الْمَزَامِيرُ 2؛ 110: 1؛ 118: 22؛ إِشَعْيَاءَ 9: 6؛ 11: 1؛ 53؛ إلخ)، يحتوي الكتاب المقدّس على العديد من النبوءات الأخرى التي تحققت في التاريخ بعد سنوات كثيرة من هذه النبوءات: منها نبوءات تتعلّق بقيام وإنهيار الإمبراطوريات القديمة البابلية والفارسية واليونانية والرومانية (دانيال 2)؛ ونبوءات تتعلّق بسقوط الإمبراطورية الآشورية القديمة (ناحوم 2-3)؛ ونبوءات تتعلّق بدمار المملكة الشمالية لإسرائيل بواسطة الإمبراطورية الآشورية (إشعياء 28؛ هوشع 10؛ يوئيل 2: 1-11؛ ميخا 1-2)، ودمار المملكة الجنوبية لإسرائيل بواسطة الإمبراطورية البابلية (إشعياء 29؛ إرميا 2-29؛ صفنيا 1)؛ ونبوءات تتعلّق بدمار مدينة صور (حِزْقِيَالَ 26)؛ ونبوءات تتعلّق بدمار القدس ومعبدها اليهودي في القرن الأول الميلادي (لوقا 19: 41-44؛ متى 24: 1-2).

( و) إكتشافات أثرية
(عودة إلى قائمة المحتويات)

يسرد الكتاب المقدس قصة سقوط البشرية، وعمل الرب الإله لخلاص وتجديد الجنس البشري. ليس الكتاب المقدس كتاب تاريخ. لكن التاريخ الذي يرويه هو تاريخ دقيق. فالأحداث التي يرويها هي حقائق تاريخية مسجلة بدقة رائعة في سياقها الزمني الإجتماعي الثقافي الجغرافي التاريخي الصحيح. الإعلانات الإلهية في العهد الجديد (الإنجيل؛ إلخ) مؤسسة على الوحي الإلهي في العهد القديم (التوراة؛ إلخ). لذلك، دقة وصدق العهد القديم ضرورية لصحة وكمال العهد الجديد. تأكيد صحة التاريخ الذي يرويه الكتاب المقدس لا يثبت صحة الحقائق اللاهوتية التي يعلنها. لكن صدق هذا التاريخ يعطي ثقة في الرسالة اللإلهية للكتاب المقدس. أكدت الإكتشافات الأثرية على مدى أكثر من قرن ونصف من الزمان دقة المعلومات الجغرافية والتاريخية والثقافية الواردة في الكتاب المقدس. فلقد أكتشفت آثار الشعوب والأماكن والأحداث كما يصفها الكتاب المقدس. كما تؤكد الإكتشافات الأثرية أجناس الشعوب وسلائلها المذكورة في جدول الأمم في تكوين 10-11، الذي يلخص أصول وعلاقات القبائل القديمة.

نورد هنا قليلا من الأمثلة عن معلومات تاريخية بالكتاب المقدس تؤكدها الأكتشافات الأثرية:

1. أسرة ابراهيم. كانت سارة زوجة ابراهيم عاقرا. فأعطته هاجر جاريتها المصرية كمحظية حتى ينجب منها نسلا (تكوين 16: 2-3). "فَوَلَدَتْ هَاجَرُ لأَبْرَامَ ابْناً. وَدَعَا أَبْرَامُ اسْمَ ابْنِهِ الَّذِي وَلَدَتْهُ هَاجَرُ «إِسْمَاعِيلَ»" (تَّكْوِينِ 16: 15). إتفق تماما ما فعلته سارة مع التقاليد القديمة المألوفة الشائعة في شمال العراق في ذلك العصر. هذه التقاليد والعادات مسجلة في ألواح نوزو التي أكتشفت في الحفريات الأثرية في 1925-1941 في منطقة نوزو بالقرب من مدينة كركوك بشمال العراق. ألواح نوزو هي حوالي عشرون ألف لوح فخاري عليها كتابات بلغة بابلية قديمة. تخبرنا هذه الألواح بالقوانين والتقاليد الإجتماعية السائدة في المجتمع الأشوري في الألف سنة الثانية قبل الميلاد.
لكن كان الله قد رتب أمرا آخرا لإبراهيم. إذ أنه وعده ثم أعطاه إبنا من زوجته سارة بمعجزة في شيخوختهما. فقد كان إبراهيم يبلغ من العمر مائة سنة وسارة تسعين سنة عندما وعدهما الله قائلا: ". . . بَلْ سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْداً أَبَدِيّاً لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً. وَلَكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ»" (تَّكْوِينِ 17: 19-21). بعد مولد إسحاق، طلبت سارة من زوجها إبراهيم أن يطرد هاجر وابنها إسماعيل (تكوين 21: 10). أقلق هذا الطلب إبراهيم لأن "مثل هذا الفعل كان يخالف قانون نوزو والتقاليد الإجتماعية، كما أنه فعل غير إنساني. غير أنه من الهام أن نلاحظ أنه يمكن الدفاع عن طلب سارة هذا على أساس القانون الأشوري القديم للبت-إشتار (حوالي 1850 ق.م.) الذي كان أحد مصادر قوانين حمورابي، والذي نص على أن الحرية التي يحصل عليها العبد المطلق تعتبر تعويضا كاف لطرده:"
R. K. Harrison, Introduction to the Old Testament [Peabody, Mass.: Hendrickson Publishers, Inc, 2004], p. 109, Trans. St. Mark Assn

2. غزو أرض كنعان. يخبرنا الكتاب المقدس (كتاب يشوع في العهد القديم) عن غزو بني إسرائيل السريع لأرض كنعان (فلسطين) بقيادة يشوع بعد تجولهم في صحراء سيناء لمدة أربعين سنة. ألاكتشافات الأثرية في مدن أريحا، وبيت إيل، ولخيش، ودبير، وحبرون، وجبعة، وحاصور بأرض كنعان تبين أنه قد تم تدميرهذه الأماكن في القرن الرابع عشر ق.م. يشير هذا إلى أن بني إسرائيل قد احتلوا بسرعة أرض كنعان كما يخبرنا كتاب يشوع.

3. التاريخ القديم لبني إسرائيل في الكتاب المقدس. يخبرنا الكتاب المقدس (الملوك الثاني 17) عن سقوط مدينة السامرة، عاصمة مملكة إسرائيل الشمالية، في سنة 722 ق.م. للإمبراطورية الأشورية ثم نفي كثير من بني إسرائيل. هذه الحوادث مدونة في السجلات التاريخية لمدينة خرساباد (تقع شمال الموصل بالعراق) المكتوبة على ألواح فخارية أكتشفت في سنة 1842 في قلعة الملك الأشوري سارجون الثاني.
غزا نبوخذناصر ملك الإمبراطورية البابلية مملكة إسرائيل الجنوبية (مملكة يهوذا) في 605، 597، 589-586 ق.م. أدت هذه الحملات العسكرية البابلية إلى سقوط مدينة القدس عاصمة مملكة يهوذا وتدميرها. كما تم نفي الكثير من اليهود إلى بابل في 605، 597، 586 ق.م. (الملوك الثاني 24-25). بهذا انتهى تاريخ ممالك إسرائيل القديمة. "أثبت قطعيا التنقيب عند لخيش وتل النسبة وأشياء أثرية أكتشفت عند بوابة إشتار في بابل دمار وهجرة سكان يهوذا ووجود يهود منفيين في بابل منذ 597 ق.م."
R. K. Harrison, Introduction to the Old Testament [Peabody, Mass.: Hendrickson Publishers, Inc, 2004], p. 339, Trans. St. Mark Assn
ولقد أثبتت اكتشافات أثرية حديثة الحوادث المتعلقة بعودة اليهود المنفيين في بابل لمدينة القدس في حوالي سنة 537 ق.م. بحسب ما هو مسجل بالكتاب المقدس (عزرا ونحميا).
W. Keller, The Bible as History, Trans. W. Neil [New York, N.Y.: Bantam Books, 1982], pp. 329-336
من أهم هذه الإكتشافات الأثرية اسطوانات كورش ومخطوطات إليفانتين.
J. P. Free, and H. F. Vos, Archeology and Bible History [Grand Rapids, MI.: Zondervan Publishing House, 1992], pp. 203-206, 211

4. حياة السيد المسيح والكنيسة الأولى. تثبت الإكتشافات الأثرية المعلومات الجغرافية والقيادات السياسية والدينية المذكورة في الأناجيل وكتاب أعمال الرسل (العهد الجديد)، كما تثبت صلب السيد المسيح.
J. P. Free, and H. F. Vos, Archeology and Bible History [Grand Rapids, MI.: Zondervan Publishing House, 1992], pp. 241-281

5. شهادة علماء الآثار. نورد فيما يلي إستنتاجات علماء آثار مشهوريين. هذه الإستنتاجات مؤسسة على اكتشافات ودراسات أثرية. هؤلاء العلماء ليسوا مسيحيين محافظين ولم يؤمنوا بالوحي الإلهي في الكتاب المقدس:

ا. صرح وليم ألبريت وهو أحد علماء الآثار المشهورون بالآتي:
"لا يوجد أي شك أن علم الآثار قد أثبت حقائق تاريخية في العهد القديم:"
J. A. Thompson, The Bible and Archeology [Grand Rapids, MI: Eerdmans, 1975], p. 5, Trans. St. Mark Assn

ب. وقد وافق على هذا نلسن جلوك وهو عالم آخر مشهور من علماء الآثار:
"في الواقع، يمكننا أن نؤكد قطعا أنه لا يوجد أي اكتشاف أثري يناقض أي معلومات في الكتاب المقدس. تؤكد عشرينات من الاكتشافات الأثرية إما باختصار واضح أو بتفصيل دقيق معلومات تاريخية في الكتاب المقدس:"
Norman Geisler and Ron Brooks, When Skeptics Ask: A Handbook on Christian Evidences [Wheaton, IL: Victor, 1990], p. 179, Trans. St. Mark Assn

( ز) مبادئ يفنّدها الكتاب المُقدس بشدّة:
(عودة إلى قائمة المحتويات)

1. مبدأ نسخ (إبطال وإلغاء) الوحي الإلهي المزعوم

يدحض ويفنّد الكتاب المقدس بشدة مبدأ إلغاء وحي إلَهي وإستبداله بوحي جديد مختلف عن الأول وقد يكون متناقض معه: "لاَ أَنْقُضُ عَهْدِي وَلاَ أُغَيِّرُ مَا خَرَجَ مِنْ شَفَتَيَّ" (المَزَامير 89: 34)؛ "لَيْسَ اللهُ إِنْسَاناً فَيَكْذِبَ. وَلاَ هُوَ ابْنَ آدَمَ فَيَنْدَمَ. هَلَ يَقُولُ وَلاَ يَفْعَلُ أَوْ يَعِدُ ولاَ يَفِي؟” (عدد 23: 19؛ ملاخي 3: 6). لم يُعلم هذا المبدأ أيّ نبي، أو السيد المسيح أو أيّ رسول من رسله في الكتاب المقدس. إنّ كلمة الوحي الإلهي لا يمكن إلغاؤها: "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي (السيد المسيح) جِئْتُ لأُلْغِيَ الشَّرِيعَةَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأُلْغِيَ، بَلْ لأُكَمِّلَ. فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، لَنْ يَزُولَ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ، حَتَّى يَتِمَّ كُلُّ شَيْءٍ” (متى 5: 17-18)؛ “إِنَّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ تَزُولاَنِ؛ وَلكِنَّ كَلاَمِي (كلمات السيد المسيح) لاَ يَزُولُ أَبَداً” (متى 24: 35)؛ “فَإِنَّ الْحَيَاةَ الْبَشَرِيَّةَ كَالْعُشْبِ، وَمَجْدَهَا كُلَّهُ كَزَهْرِ الْعُشْبِ. وَلاَبُدَّ أَنْ تَفْنَى كَمَا يَيْبَسُ الْعُشْبُ وَيَسْقُطُ زَهْرُهُ! أَمَّا كَلِمَةُ الرَّبِّ فَتَبْقَى ثَابِتَةً إِلَى الأَبَدِ، وَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي وَصَلَتْ بِشَارَتُهَا إِلَيْكُمْ" (1 بُطْرُسَ 1: 24-25). كان موسى نبيا لبني إسرائيل لمدة أربعين سنة في مصر وفي برية سيناء. لم تتغير أو تلغى أي شرائع أو وحي أو آية واحدة في التوراة التي أعطاها الله لموسى النبي. لم يغير أو يلغي السيد المسيح أو تلاميذه من بعده أي شيء في تعليمه. تحققت كل شرائع ونبوات العهد القديم (التوراة؛ إلخ) بخصوص المجيء الأول للسيد المسيح بمجيئه الأول بعد موسى النبي بحوالي 1400 سنة. يناقض هذا تماما ما فعله محمد الذي أعطى القرآن في 23 سنة ونسخ (ألغى) كثيرا من آياته.

الإيحاء التدريجي في كتب الكتاب المقدس، التي كُتبت على مدى حوالي 1500 سنة، قد تم بناءه على الأساس الأصلي المُوحى به في الكتب السابقة الأقدم. يُعد الوحي القديم الإنسان ويجعله قادرا على تلقي وقبول مستوى جديد أعلى من الوحي. فلكي يكون الإيحاء الجديد حقيقيا وشرعيا، لابد ألا يكون فيه تناقضا داخليّا، ولابد أن يكون مُتفقا مع كل الوحي السابق له. إنه لا يمكن أبدا أن يلغي أو يحل محل حقيقة وحي سابق. الوحي الأحدث يشرح ويحقق ويطور ويُكمّل ويبني على الوحي السابق له. ذلك لأن البشرية تنموا وتتطوّر وتنضج وتتفتح لقبول الوحي الأحدث على مدى قرون، ليس أيام أو شهور أو سنوات. "لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَنَاوَلُ اللَّبَنَ هُوَ عَدِيمُ الْخِبْرَةِ فِي كَلاَمِ الْبِرِّ لأَنَّهُ طِفْلٌ، وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ،..." (الْعِبْرَانِيِّينَ 5: 13-14). من الأمثلة الواضحة على ذلك هي الذبائح الحيوانية المطلوبة في التوراة، ولكنها لم تعد مطلوبة في الانجيل، لأنها قد تحققت بالكامل في التضحية التي قدمها السيد المسيح على الصليب. مثال آخر هو طقوس الطهارة المادية الحسية المطلوبة في التوراة والتي لم تعد مطلوبة في الإنجيل. ذلك أنها تشير إلى النقاء الروحي الداخلي المطلوب في الإنجيل.

بالإضافة إلى ذلك، يستجيب الله لحالة الإنسان المتغيرة. إذا تاب الإنسان وحصل على كفارة المسيح بالإيمان، فربما يؤدبه، لكنه لن يعاقبه. الله لا يتغير. لكن حالة الإنسان تتغير. الدينونة الإلهية موجهة إلى الحالة الخاطئة التي يمحوها الإيمان التائب بكفارة المسيح. إذا وعد الله ببركة أمة، فإنه لن يباركها إذا تحولت إلى الشر. "...تَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، فَتَفْعَلُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ فَلاَ تَسْمَعُ لِصَوْتِي فَأَنْدَمُ عَنِ الْخَيْرِ الَّذِي قُلْتُ إِنِّي أُحْسِنُ إِلَيْهَا بِهِ" (إِرْمِيَا 18: 7-10؛ الْمُلُوكِ الأَوَّلُ 21: 29؛ يونان 3: 10). "فَإِذَا رَجَعَ الشِّرِّيرُ عَنْ جَمِيعِ خَطَايَاهُ الَّتِي فَعَلَهَا وَحَفِظَ كُلَّ فَرَائِضِي وَفَعَلَ حَقّاً وَعَدْلاً فَحَيَاةً يَحْيَا. لاَ يَمُوتُ" (حزقيال 18: 21).

إلغاء الوحي الإلهي واستبداله بوحي آخر لا يتفق مع حكمة وصدق ومعرفة الله العظيم الحيّ العالم بكل شيء في الماضي والحاضر والمستقبل. يمنح الله وحيا صحيحا قويما منذ البداية. إذ أن الله لا يُصلح ولا يُحسّن ما منحه سابقا لأنه كامل منذ البداية. في الحقيقة، يشجّع مبدأ إلغاء الوحي الإلهي بعد مدة قصيرة من نزوله قيام أنبياء كذبة، لأنه إذا أعطى النبي الكذاب تعليما ظهر خطؤه فيما بعد، أو اعترض عليه مُستمعوه فيما بعد، يستطيع أن يلغيه ليرضي أتباعه مدعيا أن الله قد ألغاه. لذا، يستعمل النبي الكذاب مبدأ إلغاء الوحي الإلهي لتخفيف متطلبات تعليم صعب، يعترض عليه أتباعه، لكي يضمن قبولهم وولائهم له. هذه تجارب بشرية، وليست وحيا إلهيا.

كما أن النبي الكذاب يمكن أيضا أن يستعمل هذا المبدأ لإنقاذ نفسه من الإحراج الناتج عن نسيانه تعليم سابق مدّعيا أنّ تعليمه الجديد المختلف عن تعليمه السابق قد ألغى التعليم السابق. إلغاء وتغيير آيات يشبه ما يفعله أي مؤلف بشري يصحح ما كتبه وينقحه باستبدال وتغيير جمل وفقرات بأخرى يعتقد أنها أفضل. لا يستطيع أحد أن يثق في مواعيد إله يغير رأيه، لأنه كما يغير رأيه بالنسبة لوحيه، قد يغير رأيه بالنسبة للمصير الأبدي للمؤمن. لذلك، لن يجد الإنسان طمأنينة وراحة بال وسلام في الإيمان بمثل هذا الإله. من المشاكل الرئيسية لمبدأ إلغاء الوحي الإلهي أنّه يؤدي إلى بلبلة واختلافات في محاولة التمييز بين الآيات الناسخة (المُلغِيَةُ) والمنسوخة (المُلغاة).

يُأسس القرآن مبدأ إلغاء الوحي الإلهي في الإسلام: “ما نَنْسَخُ من آية أو نُنسِها نَأْتِ بِخير منها أو مثلها ألم تعلمُ أنّ الله على كلّ شيء قدير؟" (البقرة 2: 106)؛ “وإذا بدّلنا آية مكان آية والله أعلمُ بِما يُنَزِّلُ قالوا إنّما أنت مُقتَر بل أكثرُهم لا يعلمون” (النحل 16: 101)؛ “يمحوا اللهُ ما يشاء ويُثبت وعنده أمُّ الكتب” (الرعد 13: 39؛ الأعلى 87: 6-8). يخبرنا الإمام الحافظ عماد الدين ابن كثير فى "تفسير القرآن" (ج1 ص 104) عن ابن جرير تعليقاً على الآية [ما ننسخ من آية ... (البقرة 2: 106)] قوله "أى : نُحوِّل الحلالَ حراماً، والحرامَ حلالاً، والمباحَ محظوراً، والمحظورَ مباحاً." إلغاء آيات قرآنية يتناقض مع ادعاء القرآن بأنه: "لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ" (الأنعام 6: 34، 115؛ يونس 10: 64؛ الكهف 18: 27)؛ "بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ" (البروج 85: 21-22).

قد تلغي آية قرآنية أية أخرى في نفس السورة: آية 234 نسخت آية 240 في سورة البقرة 2، آية 50 نسخت آية 52 في سورة الأحزاب 33، إلخ. في الواقع، بعض الآيات القرآنية ألغِيَت واستبدلت بآيات أخرى في اليوم التالي من إعطائها. نسخت آية 66 لسورة الأنفال 8 آية 65 في نفس السورة. بداية سورة المزمل 73: 2-4 ألغِيَت بنهايتها (المزمل 73: 20)، والآية ألمُلغِيَة ألغِيَت بعد ذلك بأمر الصلاوات الخمسة. ألا يقترح هذا انها كانت محاولة تجربة وخطأ؟ هذا لا يتفق مع الحكمة اللانهائية للإله الحقيقي الحيّ العالم بكل شيء الذي لا يخطئ. لذلك، شك قريش ويهود المدينة في المصدر الإلهي للقرآن. الآيات التي أعطاها محمد في تاريخ لاحق تلغي وتنسخ الآيات المتناقضة معها التي قدمها في تواريخ سابقة. علماء الإسلام متفقون على أن سورة التوبة هي آخر سورة أعطاها محمد. لذلك، تلغي آية السيف (5) بها 124 آيات سلمية متسامحة متناقضة معها سبقتها في القرآن.

لا يمكن التوفيق بين آيات مختلفة تناقض بعضها البعض في القرآن. من أجل التغلب على هذه الصعوبة، يلجأ علماء الإسلام إلى مبدأ الناسخ والمنسوخ معلنين أن الآيات المتناقضة الأقدم قد نُسخت وأُلغيت.

يحتوي القرآن على 114 سورة. 43 سورة فقط ليس بها آيات ناسخة أو منسوخة. يعني هذا أن 71 سورة (حوالي ثلثي القرآن) تحتوي على آيات ناسخة أو منسوخة كالآتي: 6 سور بها آيات ناسخة، 25 سورة بها آيات ناسخة وآيات منسوخة، 40 سورة بها آيات منسوخة (أبو القاسم هبة الله ابن سلامة أبو نصر، الناسخ والمنسوخ). أكثر من 500 آية قرآنية (أكثر من 3% من القرآن) قد تم نسخها وإلغاؤها. توجد اختلافات ومجادلات كثيرة بين علماء المسلمين بالنسبة للآيات الناسخة والمنسوخة في القرآن. تعود هذه الاختلافات للعصر الإسلامي الأول. في الواقع، حتى صحابة محمد كانوا في حيرة وارتباك بشأن الناسخ والمنسوخ في القرآن. فعلى سبيل المثال، يخبرنا الحديثين رقم 33، 34 في صحيح البخاري (الجزء السادس) أن آية البقرة 2: 185 نسخت (ألغت) آية البقرة 2: 184. يناقض ذلك الحديث رقم 32 في صحيح البخاري (الجزء السادس) الذي يخبرنا أن هذه الآية لم تنسخ. إختلف علماء المسلمين الأولين على ما إذا كان القرآن ينسخ فقط القرآن، أو أن القرآن والسنة ينسخان بعضهما البعض (المالكي والحنفي)! يعني هذا أن الإسلام يعطي معرفة ناقصة وغير محددة بما يدعي بأنه الوحي النهائي الكامل لكل الأزمنة! من المهم التأكيد على أن الإله الحي الحقيقي للتوراة والإنجيل "... لَيْسَ إِلَهَ تَشْوِيشٍ ..." (كورنثوس الأولى 14: 33).

ما زالت الآيات المنسوخة (الملغاة) تتلى في القرآن على الرغم من أنها قد فقدت فعاليتها (البخاري، فضائل القرآن 527.61.6؛ تفسير القرآن 60.60.6). وما زال يستشهد دعاة الإسلام بالآيات القرآنية المكية المنسوخة التي تدعوا إلى الإخاء والسلام والحرية الدينية والتسامح حتى يخدعوا الغربيين الأبرياء. بينما يخفون عمدا الآيات القرآنية المدنية التي تنسخها (تلغيها) والتي تدعوا إلى القتل وقطع الرقاب وبتر الأيادي والأرجل والتعصب ضد غير المسلمين. يعود هذا الازدواج في شخصية القرآن إلى أسباب تاريخية. إتسمت تعاليم محمد بالتسامح والإخاء عندما ابتدأ ينشر دعوته في مكة وذلك بسبب قلة عدد أتباعه وكثرة أعدائه المحيطين به. كان ضعيفا قليل الحيلة. بعد أن كثر أتباعه في المدينة ونمت قوته العسكرية والسياسية، أصبحت تعاليمه متعصبة ودعت إلى العنف ضد غير المسلمين وقتلهم. في الواقع، قال ابن العربي: "كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي والإعراض والكف عنهم منسوخ بآية السيف، وهي: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (التوبة 9: 5)، وهذه الآية نسخت مائة وأربعة وعشرين آية [ 124 آية]" (جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ج 2، ص 24). حوّل هذا المبدأ الإسلام إلى عقيدة عسكرية سياسية توسعية عدوانية ما زالت قائمة حتى يومنا هذا.

نعطي هنا قليلا من الأمثلة عن الآيات الناسخة والمنسوخة في القرآن. تتحدث الآيات التالية عن التسامح الديني: "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" (الكافرون 109: 6)؛ "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (البقرة 2: 256 أ؛ يونس 10: 100؛ ق 50: 45؛ إلخ). هذه الآيات قد نُسخت وألغيت بالآيات التالية: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (آل عمران 3: 85)؛ "قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ (محمد) وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ (الإسلام) مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ (المسيحيين واليهود) حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" (التوبة 9: 29؛ إلخ).

تتحدث الآيات التالية عن التسامح مع المشركين: "أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا" (النساء 4: 63؛ الحجر 15: 85؛ طه 20: 130؛ إلخ). آيات العنف التالية نسخت الآيات السابقة: "فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا" (محمد 47: 4 أ)؛ "إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ" (الأنفال 8: 12، 38؛ النساء 4: 89؛ التوبة 9: 5؛ البقرة 2: 191؛ إلخ).

2. مبدأ الوحي الشيطاني
(عودة إلى قائمة المحتويات)

لم يستطع الشيطان أن يخدع أحدا من الأنبياء القّديسين الذين كتبوا كتب الكتاب المقدس بوحي إلهي على مدى قرون عديدة. لم يكتبوا البته تعليما خاطئا يُضل الناس. حمى روح الله الحي القدوس القوي القادر على كل شيء كلمة الوحي الإلهي من الفساد بخدع شيطانية مُضلّلة. الإله الغير قادر على حماية كلمة وحيه في فمّ نبيّه من الفساد الشيطاني لا يمكن أن يكون الإله الحقيقي الحي القادر على كل شيء في الكون. يعلّم الكتاب المقدس أن مبدأ الوحي الشيطاني المُضل هو مبدأ خطأ: “إِنَّ الْكِتَابَ بِكُلِّ مَا فِيهِ، قَدْ أَوْحَى بِهِ اللهُ؛ وَهُوَ مُفِيدٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ وَالتَّقْوِيمِ وَتَهْذِيبِ الإِنْسَانِ فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَجْعَلَ إِنْسَانَ اللهِ مُؤَهَّلاً تَأْهِيلاً كَامِلاً، وَمُجَهَّزاً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ” (2 تِيمُوثَاوُسَ 3: 16-17).

تخاف الشياطين وتقشعر من قوة الله الحي وأنبيائه الأبرار. أطلق وحرّر يسوع كثيرا من الناس من القوى الشيطانية التي إمتلكتهم وعذّبتهم. عرفت الشياطين أنّه المسيح وخافته وهربت منه (لوقا 4: 41؛ 8: 26-39؛ مرقس 9: 17-29؛ متى 8: 16، 28-34؛ 9: 32-33؛ 12: 22-23):

"وَكَانَ فِي الْمَجْمَعِ رَجُلٌ بِهِ رُوحُ شَيْطَانٍ نَجِسٍ فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «آهِ مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ! أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ: قُدُّوسُ اللهِ». فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلاً: «إخْرَسْ وَاخْرُجْ مِنْهُ». فَصَرَعَهُ الشَّيْطَانُ فِي الْوَسَطِ وَخَرَجَ مِنْهُ وَلَمْ يَضُرَّهُ شَيْئاً. فَوَقَعَتْ دَهْشَةٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَكَانُوا يُخَاطِبُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً قَائِلِينَ: «مَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ! لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ يَأْمُرُ الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتَخْرُجُ»" (لوقا 4: 33-36).

"وَسَارُوا إِلَى كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ الَّتِي هِيَ مُقَابِلَ الْجَلِيلِ. وَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الأَرْضِ اسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ فِيهِ شَيَاطِينُ مُنْذُ زَمَانٍ طَوِيلٍ وَكَانَ لاَ يَلْبَسُ ثَوْباً وَلاَ يُقِيمُ فِي بَيْتٍ بَلْ فِي الْقُبُورِ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ صَرَخَ وَخَرَّ لَهُ وَقَالَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مَا لِي وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ الْعَلِيِّ! أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ لاَ تُعَذِّبَنِي». لأَنَّهُ أَمَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الإِنْسَانِ. لأَنَّهُ مُنْذُ زَمَانٍ كَثِيرٍ كَانَ يَخْطَفُهُ وَقَدْ رُبِطَ بِسَلاَسِلٍ وَقُيُودٍ مَحْرُوساً وَكَانَ يَقْطَعُ الرُّبُطَ وَيُسَاقُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَى الْبَرَارِي. فَسَأَلَهُ يَسُوعُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «لَجِئُونُ». لأَنَّ شَيَاطِينَ كَثِيرَةً دَخَلَتْ فِيهِ. وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَأْمُرَهُمْ بِالذَّهَابِ إِلَى الْهَاوِيَةِ. وَكَانَ هُنَاكَ قَطِيعُ خَنَازِيرَ كَثِيرَةٍ تَرْعَى فِي الْجَبَلِ فَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَأْذِنَ لَهُمْ بِالدُّخُولِ فِيهَا فَأَذِنَ لَهُمْ. فَخَرَجَتِ الشَّيَاطِينُ مِنَ الإِنْسَانِ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ فَانْدَفَعَ الْقَطِيعُ مِنْ عَلَى الْجُرْفِ إِلَى الْبُحَيْرَةِ وَاخْتَنَقَ. فَلَمَّا رَأَى الرُّعَاةُ مَا كَانَ هَرَبُوا وَذَهَبُوا وَأَخْبَرُوا فِي الْمَدِينَةِ وَفِي الضِّيَاعِ فَخَرَجُوا لِيَرَوْا مَا جَرَى. وَجَاءُوا إِلَى يَسُوعَ فَوَجَدُوا الإِنْسَانَ الَّذِي كَانَتِ الشَّيَاطِينُ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ لاَبِساً وَعَاقِلاً جَالِساً عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ فَخَافُوا" (لوقا 8: 26-35).

في الواقع، قد قال السيد المسيح بصراحة وبتأكيد أنه ليس للشيطان سلطان عليه: "رَئِيسَ هَذَا الْعَالَمِ (إبليس) يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ" (يُوحَنَّا 14: 30 ب). كما كان تلاميذه يخرجون الشياطين باسمه: "فَرَجَعَ السَّبْعُونَ (تلميذا) بِفَرَحٍ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ حَتَّى الشَّيَاطِينُ تَخْضَعُ لَنَا بِاسْمِكَ" (لوقا 10: 17).

من المشاكل الرئيسية لمبدأ الوحي الشيطاني الخادع أن النبي الذي يدّعيه يفقد ثقة الناس به. قد تكون هناك آيات أخرى شيطانية كثيرة لم يتم تصحيحها لأن هذا النبي لم يستطع التمييز بين الوحي الإلهي والوحي الشيطاني. نعلم أن الوحي الشيطاني يتعلّق بمُمارسي السحر الأسود لأنهم تحت تأثير القوى الشيطانية، وليست له علاقة البته بالأنبياء القدسيين للإله الحيّ.

ينادي القرآن بمبدأ الوحي الشيطاني: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" (الحجّ 22: 52). طبعا القرآن لم يستشهد بحادثة معيّنة واحدة حيث جعل الشيطان نبيا قبل محمد يُعلن أنه قد حصل على وحي من الله، ثم بعد ذلك يدّعى بأنّ هذا الوحي كان من الشيطان، ليس من الله. في الواقع، هذا القول القرآني هو إدعاء خاطئ، لأنه لم يتكلم أي واحد من أنبياء الكتاب المقدس بوحي من الشيطان، ولا مرة واحدة. لا يمكن الوثوق بالقرآن لأن محمدا لم يستطع التمييز بين الوحي الإلهي والوحي الشيطاني. في الواقع، قد يكون القرآن بأكمله وحيا شيطانيا؟ يتناقض مبدأ الوحي الشيطاني مع تحدي القرآن للبشر والجن أن ينتجوا شيئا مثله: "قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا" (الإسراء 17: 88؛ البقرة 2: 23؛ يونس 10: 38)، لأن إبليس نجح في الرد على هذا التحدي بأن أعطى آياته الشيطانية. من أحد الأمثلة المشهورة لإدّعاء الوحي الشيطاني ما يُعرف بالآيات الشيطانية في القرآن—وهي آيات ادعى محمد أن إبليس قد أوحى بها إليه. وقد أعطاها محمد في القرآن وتلاها، مما جعله رسول إبليس:

"أفرأيتم اللَّت والعُزّى ومَنوةَ، الثالثة الأُخرى؟ [الآيات التالية هي الآيات الشيطانية التي أزيلت فيما بعد من القرآن:] تلك الغرانيق العلا (آلهة قريش الوثنية) إن شفاعتهن لترتجى حتى لا ينسوا" (النّجم 53: 19-22).
بعد إزالة هذه الآيات وإضافة آيات النّجم 53: 21-26 بدلا منها، أصبحت نهاية هذه الفقرة كالآتي:
"إن هي إلاَّ أسماء سمَّيتُمُوها أنتُم وآباؤُكم. ما أنزَل الله بها من سُلطان.”

علّمَت الآيات الشيطانية للقرآن عبادة ثلاث آلهة وثنية بجانب الله (إشراك بالله): اللات، العُزّى ومنات، بنات إله القمر الوثني لقبيلة قريش ولشبه الجزيرة العربية في وقت محمد. هذه كانت أربعة أصنام يعبدونها في مكة. بالطبع، الوثنيون المكيّون الذين شكّلوا أغلبية سكان مكة في ذلك الوقت، سُرُّوا كثيرا عندما سمعوا أنّ آلهتهم مُعتَرف بها للعبادة. حقق هذا رغبة محمد في أن تقبله قبيلته قريش كنبي. بعد حوالي سنة كاملة، ادعى محمد بعد اعتراض بعض أتباعه بأنّ هذه الآيات قد أوحى بها الشيطان، وحذفهن من القرآن. هذا يدل على أنه كان للشيطان قوة وسلطان على محمد مما يتناقض مع البيان القرآني حيث وعد إله الإسلام أن الشيطان لا يملك تأثيرا وسلطة على خدامه (المائدة 5: 105؛ الحجر 15: 42؛ النحل 16: 98-100؛ الجن 72: 27-28).

ألآيات الشيطانية في القرآن والظروف التاريخية المحيطة بها هي حقائق تاريخية مؤكدة أخبرنا بها علماء مسلمون مشهورون بالأمانة والدقة والمعرفة والتدين مثل ابن اسحاق (ت. 765 م، سيرة رسول الله) والطبري (ت. 922 م، تاريخ الطبري، 6: 107) وابن سعد (ت. 844، كتاب الطبقات الكبير) وواقيدي (ت. 823، كتاب المغازي) وآخرون في تسجيلهم لسيرة محمد. لقد آمن هؤلاء الرجال بأن محمدا كان نبيا. شهادة المصادر الإسلامية المبكرة قوية ومقنعة للغاية. كما أن القرآن يؤكد الآيات الشيطانية في سورة الحجّ 22: 52.

(ح) إستنتاج
(عودة إلى قائمة المحتويات)

السيد المسيح لم يُعِد كتابة أيّ كتب في العهد القديم الذي كان قد تمت كتابته قرونا قبل مجيئه. لكنه، ورسله من بعده، قرأوا وعلّموا منهم (لوقا 4: 16-21؛ أعمال الرّسل 2: 16-28). كما أن السيد المسيح حقق ناموس ونبوءات العهد القديم عن مجيئه الأول: “لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْغِيَ الشَّرِيعَةَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأُلْغِيَ، بَلْ لأُكَمِّلَ” (متى 5: 17). أضيفت كتب العهد الجديد إلى كتب العهد القديم في الكتاب المقدس. لم يستبدلوهم ولم يغيروهم. في الواقع، لا أحد من الأنبياء قبل السيد المسيح ولا أحد من رسلِه وتلاميذه أعاد كتابة أو راجع أيّا من الكتب التي كان قد تم كتابتها قرونا قبل مجيئه باأنبياء آخرين. من المعروف أن محمدا لم يُعلم من الكتاب المقدس. بدلا من ذلك، أعاد محمد كتابته بالكامل فيما سماه بالقرآن الذي يعيد رواية قصص أخذت من الكتاب المقدس بدون سياق وتسلسل تأريخي بعد تغييرها. نضع أمامك الآن السؤال الهام الآتي: هل تثق في كلمة رجل واحد، حياته الأخلاقية مشكوك فيها وادعاءه بالنبوة لم تثبته معجزات؛ ضدّ كلمات حوالي 44 رجل قديسين عاشوا حياة تقية قرونا قبله؟ أثبتت معجزاتهم المصدر الإلهي لوحيهم، والعديد منهم ضحّوا بحياتهم واستشهدوا لإعلان رسالة الإله الحي. نترك ذلك الأمر لذكائك وتمييزك وحكمك واختيارك.

للحصول على تفاصيل إضافية، نرجو زيارة بعض هذه المواقع:
1. الكتاب المقدس
2. ثقتي في كتاب الله التوراة والإنجيل
3. شُبهات وهميَّة حول الكتاب المقدس
4. القرآن والكتاب المقدس في نور التاريخ والعلم