"لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ لاَ أَتَغَيَّرُ" (مَلاَخِي 3: 6 أ) . . . . "أَنَا الأَلِف وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ وَالآخِرُ" (رُؤْيَا يُوحَنَّا 22: 13) . . . . "يَا اللهُ إِلَهِي أَنْتَ. إِلَيْكَ أُبَكِّرُ. عَطِشَتْ إِلَيْكَ نَفْسِي يَشْتَاقُ إِلَيْكَ جَسَدِي فِي أَرْضٍ نَاشِفَةٍ وَيَابِسَةٍ بِلاَ مَاءٍ" (المَزَامير 63: 1)

وحدانية الله

" أَإِلَى عُمْقِ اللهِ تَتَّصِلُ أَمْ إِلَى نِهَايَةِ الْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟ هُوَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ فَمَاذَا عَسَاكَ أَنْ تَفْعَلَ؟ أَعْمَقُ مِنَ الْهَاوِيَةِ فَمَاذَا تَدْرِي؟" (أيوب 11: 7-8)


( أ ) ألله واحد

إنّ وحدانية الله مبدأ أساسي في الكتاب المقدس:

1. العهد القديم (التوراة؛ إلخ):

"إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ" (تثنية 6: 4؛ 4: 35، 39؛ 32: 39)؛
"اُنْظُرُوا الآنَ! أَنَا أَنَا هُوَ وَليْسَ إِلهٌ مَعِي" (تثنية 32: 39 a؛ خروج 20: 3؛ صَمُوئِيلَ الثَّانِي 7: 22؛ الْمُلُوكِ الأَوَّلُ 8: 60)؛
"أَنْتَ \للهُ وَحْدَكَ" (مزامير 86: 10 b؛ ملاخي 2: 10)؛
"هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَفَادِيهِ رَبُّ الْجُنُودِ: «أَنَا الأَوَّلُ وَأَنَا الآخِرُ وَلاَ إِلَهَ غَيْرِي" (إشعياء 44: 6، 8)؛
"اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَاخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْضِ لأَنِّي أَنَا اللَّهُ وَلَيْسَ آخَرَ" (إشعياء 45: 22، 5-6، 18، 21؛ 46: 9).
"قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلَهٌ وَبَعْدِي لاَ يَكُونُ. أَنَا أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ" (إشعياء 43: 10-11).

2. العهد الجديد (إنجيل؛ إلخ):

"فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ" (مرقس 12: 29؛ متى 4: 10)؛
"اللهَ وَاحِدٌ" (رومية 3: 30 a؛ تِيمُوثَاوُسَ الأُولَى 2: 5)؛
"نَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ وَثَنٌ فِي الْعَالَمِ وَأَنْ لَيْسَ إِلَهٌ آخَرُ إِلاَّ وَاحِدا" (1 كورنثوس 8: 4 b)؛
"اللهَ وَاحِدٌ" (غلاطية 3: 20 b؛ تَسَالُونِيكِي الأُولَى 1: 9؛ يعقوب 2: 19؛ أفسس 4: 6؛ يهوذا 25).

في الواقع، علّمت الكنيسة أن الله واحد منذ بداية المسيحية.

( ب) معرفة الله
(عودة إلى قائمة المحتويات)

لقد وضع الله في قلب الإنسان الرغبة في معرفة مصدره وغايته ومصيره. قد وُهبت معرفة الله للإنسان ليس لإرضاء فضول العقل البشري، ولكن لتحقيق الخلاص للبشرية. ليست هذه معرفة علمية أو فلسفية، ولكنها فطنة روحية للإنسان الداخلي تأتي بنعمة الله بواسطة الإيمان بالمسيح. يحتاج الإنسان إلى هذه المعرفة لكي يحب ويعبد الإله الأبدي الحي القدير الحقيقي، ويعيش معه في حياة شركة أبدية.

ألله هو مصدر ونهاية كل شيء؛ غير مخلوق، كامل، كائن حتمي؛ لانهائي، أزلي أبدي؛ كلي الحضور، كلي المعرفة، كلي القدرة، خالق، مخلص، ومتمم كل شيء؛ كلي الوجود والسمو في نفس الحين، قدوس موجود في وسطنا؛ كامل الحرية، روحي، مستجيب؛ طاقاته ممتازة، مقدسة، صالحة، عادلة، جوادة، محبة، كريمة، رحيمة، صابرة؛ ومن ثم مباركة ومبتهجة أبديا. قداسة الله لا تضاهى في الجمال.

تسمو وتعلو حقيقة الله الأكثر إيجابية على عقل ومنطق الإنسان. الله هو سبب ومصدر وجود كلّ الأشياء. طبيعته الإلهية هي روحية كلية. الله هو كائن شخصي موجود كحقيقة شخصية عُليا بسيطة. إن علم اللآهوت الأرثذوكسي يُميز بين جوهر/طبيعة ذات الله الداخلية الغير مخلوقة السامية، وطاقاته الغير مخلوقة القدسية التي تنبع منه. يقول القديس باسيليوس: "نعرف إلهنا من أعماله، لكننا لا نستطيع أن نقترب من جوهر ذاته الإلهية، لأن أعماله (طاقاته) تنزل وتأتي إلينا بينما لا يمكن الإقتراب من جوهره الإلهي." لا يستطيع العقل البشري المحدود أن يعرف جوهر الله الأقدس. نؤمن بجوهره الأقدس لأننا نختبر طاقاته (قواته وأعماله) المختلفة. نعرفه في أعماله وطاقاته التي لا يمكن فصلها من جوهره. فإن الطاقات الإلهية القدسية تبيّن الله بنفسه في أعماله وإعلانه عن ذاته. فهي تتخلّل كلّ خليقته. تشبه طاقات الله أشعة الشمس. الأشعة هي طاقات الشمس، ولكنها ليست مادة الشمس. الطاقات الإلهية هي الله، ولكنها ليسب جوهره. الطاقات الإلهية هي الوسائل التي بواسطتها يعمل الله خارج نفسه (جوهره). يدخلون حياة الإنسان والكون. لكن جوهره لا يفعل ذلك.

لا يخلق الله العالم من جوهره، ولكن بطاقاته. بكلّ عملية (نمط طاقة)، يخلق أو يُدعم ألله سمة مُعينة من الخليقة. إنّ الطاقات الإلهية هي خواص لله مُعبرة في سلسلة من الأعمال. الله، الفاعل لكلّ العمليات المتنوّعة، كامل لا يتأثر ولا يتغير. كلّ طاقات الله لانهائية ولن تتوقّف عن الإنبثاق من الله.

يخلق الله كل شيء بحرية كاملة. لا يوجد أي ضغط خارجي أو ضرورة على الله لكي يخلق عالما. أوجد الله المخلوقات حتى يفيض عليها بخيراته. يسمو الخالق فوق كل خليقته. لا يضمحل خير الله وكينونته بفعل الخلق. لم يفقد الله جزءا من كينونته عندما خلق. عملية الخلق مثلما "توقد شعلة واحدة الكثير من المشاعل، بدون أن يقلل هذا من ضوء الشعلة الأولى التي أشعلت العديد من المشاعل" (تاتيان).

يحفظ الله المخلوقات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بوسائل ثانوية. تعتمد كينونة كل مخلوق على الله "الَّذِي بِيَدِهِ نَفَسُ كُلِّ حَيٍّ وَرُوحُ كُلِّ الْبَشَرِ" (أيوب 12: 10). لا يمكن لأي مخلوق أن يستمر في الوجود لحظة واحدة، بل ينهار إلى العدم، إذا لم تحتفظ بوجوده الطاقة الإلهية.

نختبر ونعرف الله من عملياته المختلفة فيما يتعلق بالعالم المرئي، وأنفسنا. تستهدف العمليات الإلهية قيادة الخليقة إلى التقديس. ممكن للإنسان أن يحيى في حياة شركة حقيقية مع الله بالمشاركة في طاقاته، على الرغم أنّ جوهر الذات الإلهية عال وغير مشارك. المؤمن المسيحي يتقدس تدريجيا، وتزداد معرفته بطاقات الله القدسية، بالمشاركة في نعمة الله، التي هي إحدى الطاقات الإلهية الغير مخلوقة. يؤمن المؤمن المسيحي بقوة في الله الحيّ لأنه يعرفه مباشرة خلال طاقاته في تجربته واختباراته الشخصية، ليس بسبب براهين منطقيّة وحجج معقولة، التي،رغم مساعدتها في الفهم، قد لا تؤدي إلى الإيمان القوي.

سجية الله البارة الصادقة الحقيقية لا تتغيّر في سماتِها. ألله كامل في كلّ شيء. لذلك هو ليس بحاجة إلى أن يتغيّر لكي يصبح أكثر كمالا: "لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ لاَ أَتَغَيَّرُ" (ملاخي 3: 6a ؛ رومية 11: 29؛ بُطْرُسَ الأُولَى 1: 25؛ يعقوب 1: 17). لكي يبقى الله صادق لسجيته التي لا تتغير، قد تتغيّر مشاعره وردّه نحو شخص أو مجموعة من الناس خيرا أو شرا نتيجة تغيّر في الشخص أو المجموعة: "فَإِذَا رَجَعَ الشِّرِّيرُ عَنْ جَمِيعِ خَطَايَاهُ الَّتِي فَعَلَهَا وَحَفِظَ كُلَّ فَرَائِضِي وَفَعَلَ حَقّاً وَعَدْلاً فَحَيَاةً يَحْيَا. لاَ يَمُوتُ. كُلُّ مَعَاصِيهِ الَّتِي فَعَلَهَا لاَ تُذْكَرُ عَلَيْهِ. فِي بِرِّهِ الَّذِي عَمِلَ يَحْيَا. هَلْ مَسَرَّةً أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ؟ أَلاَ بِرُجُوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ فَيَحْيَا؟ وَإِذَا رَجَعَ الْبَارُّ عَنْ بِرِّهِ وَعَمِلَ إِثْماً وَفَعَلَ مِثْلَ كُلِّ الرَّجَاسَاتِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الشِّرِّيرُ, أَفَيَحْيَا؟ كُلُّ بِرِّهِ الَّذِي عَمِلَهُ لاَ يُذْكَرُ. فِي خِيَانَتِهِ الَّتِي خَانَهَا وَفِي خَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ بِهَا يَمُوتُ" (حزقيال 18: 21-24).

نستمد معرفتنا عن الله من مصدرين أساسيين:

1. خليقة الله. ندرك الله غير المنظور وحبه الأبدي وقوته وجلاله بملاحظة خليقته النظورة. "مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ..." (رومية 1:20).

2. الوحي الإلهي، الذي بلغ ذروته في تجسد كلمة (ابن) الله في المسيح. "اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" (يُوحَنَّا 1: 18). "...وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الاِبْنُ وَمَنْ أَرَادَ الاِبْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ" (متي 11: 27). "وَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ..." (يُوحَنَّا الأُولَى 5: 20). يُقدم الكتاب المقدس والتقليد المقدس الوحي الإلهي. حتى يمكن التعبير عن بعض الحقائق الألهية بلغة بشرية، تستخدم بعض مقاطع من الكتاب المقدس أسلوب التشبيه لوصف طبيعة وأعمال الله، مثل عيون الله، ويديه وقدميه ورفقه، وغيرها. ينبغي ألا تُؤخذ هذه التشبيهات حرفيا. لقد علمنا السيد المسيح أن "اَللَّهُ رُوحٌ..." (يوحنا 4: 24).

(ج ) الثالوث الأقدس

1. عقيدة الثالوث الأقدس
(عودة إلى قائمة المحتويات)

لا يمكن للإنسان وهو المخلوق المحدود أن يفهم بالكامل طبيعة خالقه اللانهائي، وأعماله وأفكاره الداخلية. خلق الله العقل البشري. لذلك، فهو أكبر من قدرته على فهمه واستيعابه. ألمستوى الأعلى بكثير للوجود الإلهي غامض وغير مفهوم للإنسان المخلوق ذي الوجود الأوطأ. إذا كنا لا نستطيع فهم وجودنا البشري بالكامل، كيف نستطيع أن نفهم بالكامل أسرار خالقنا! معرفة الإنسان مقيّدة بنمط تعليمه، الذي يحدث خلال الواقع المحدود في هذه الحياة. ولعله من المهم أن نتذكّر قصّة القديس أوغسطينوس عندما كان سائرا على شاطئ البحر يحاول فهم أسرار الثالوث الأقدس. رأى طفلا صغيرا يحاول وضع البحر في حفرة صغيرة حفرها في الرمل. فقال أوغسطينوس للطفل أنه لا يمكنه فعل ذلك. أجاب الطفل، الذي كان في الحقيقة ملاكا، قائلا، "وأنت لا تستطيع أن تفهم بالكامل الثالوث الأقدس الغير محدود بعقلك المحدود." قال القديس أغسطينوس: "إذا كنت تفهمه، فإنه ليس الله." إنّ أسرار الله أكبر كثيرا من منطق العقل البشري. الحقيقة ليست دائما بسيطة. في كثير من الأحيان، الحلول البسيطة هي حلول خاطئة. إلإله الذي قد ندّعي فهمه بالكامل بمنطقنا البشري هو أصغر من عقل الإنسان، وبالتالي، ليس أكثر من صنم يُشبهنا اخترعه البشر في مخيلتنا. الإله الذي يمكن تخفيضه إلى حدود منطق العقل البشري لا يمكن أبدا أن يكون الله الحي الحقيقي. ليس هو الله الحي الحقيقي للكتاب المقدس والكنيسة المسيحية: "هُوَذَا اللهُ عَظِيمٌ وَلاَ نَعْرِفُهُ وَعَدَدُ سِنِيهِ لاَ يُفْحَصُ" (أيوب 36: 26؛ 11: 7-8). قال الرب الإله خلال النبي إشعياء: "لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ هَكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُم" (إشعياء 55: 9).

ينبغي أن يخدم العقل البشري الوحي الإلهي باتضاع، ولا يحكم عليه. ينبغي أن يخضع العقل البشري لحكمة الله. الإله الحقيقي هو أعلى من منطق العقل البشري المحدود، لأنه غير مخلوق لانهائي، في حين أن العقل البشري مخلوق محدود. عقيدة الثالوث الأقدس موحى بها في الكتاب المقدس. لا يمكن إثباتها بالعقل البشري. لكنها لا تناقض منطق العقل. يحتاج الجنس البشري أن يقبل بالإيمان إعلان الله عن نفسه في الوحي الإلهي في الكتاب المقدس. ينبغي تقديم الوحي الإلهي على المنطق البشري.

أدرك القديس أوغسطينوس أنّ الله ترك آثارا وعلامات ثلاثية في كل مكان حولنا. الأمثلة على ذلك تكثر. تتألف الشمس من مادتها/جسمها، وهجها/ضوئها، وحرارتها. تتكون الشجرة من جذرها، فروعها/ساقها، وثمارها. عند النقطة الثلاثية للماء (في علم الطبيعة)، يوجد الماء بشكل سائل، وغاز (بخار)، وثلج في آن واحد. يتكون الكون المرئي من الفضاء، والمادة/ الطاقة، والزمن. يتطلّب الفعل الإنساني للفهم العقل، مواضيع الفهم، والإدراك/الفهم. يتطلّب الحبّ مُحبّا، محبوبا، وعاطفة الحبّ التي تضم الثلاثة في واحد. كما أن الله مثلث الأقانيم: عقل، وكلمة/حكمة، وروح في واحد. الإنسان الذي خُلِق علي صورة الله (تكوين 1: 26-27) يتكون من عقل، وفكر (كلمة)، وروح متحدين في إنسان واحد. الفكر (الكلمة) مُنجبة/مولودة من عقل الإنسان، وروحه منبثقة منه. على نفس النمط، الإبن مُنجب/مولود من الله الأبّ، والروح القدس منبثق من الآب. نرى في كلّ هذه الأمثلة وحدة ومساواة وتمييز. رغم أنّ في هذه الأمثلة المساعدة تشابه، وإشارة وإيحاء إلى الثالوث الأقدس، هي ليست كاملة التشابه.

وهكذا، فإن الكون الذي قد خلقه الله يشهد ويؤكد طبيعة خالقه المثلثة، التي هي التعبير الكامل عن كيانه. بينما تنتشر في الطبيعة المخلوقة أمثلة عن وحدة الثالوث الأقدس، لا يمكن العثور على أي كائن طبيعي مخلوق ذي وحدة غير متميزة مثل الإله الوحيد الشخصية.

إنّ مبدأ الثالوث الأقدس هو أحد المبادئ الأساسية للإيمان المسيحي. الله جوهر (كائن) واحد غير مُقسّم وأقدس في ثلاثة أقانيم/أشخاص متميّزين: الله الآب، كلمته/حكمته (الله الإبن)، وروحه القدوس (الله الروح القدس). الله قائم بذاته، عاقل/ناطق بحكمته/كلمته، وحي بروحه. من أوجه اختلاف الطبيعة البشرية المخلوقة عن الطبيعة الإلهية الغير مخلوقة الفريدة من نوعها، أن الطبيعة البشرية واحدة لكنها ليست فريدة من نوعها نظرا لأنها تتكاثر في كل مرة يولد إنسان جديد. الثالوث الأقدس أزلي أبدي موجود قبل خلق الكون بأزمان طويلة. ليس له بداية وليس له نهاية. لم يحدث على الأطلاق في أي زمن أن الله الآب وُجد بدون كلمته/حكمته (إبنه) أو بدون روحه القدوس (حياته). كلمات، الآب، الابن، الروح القدس، والولادة، تُستخدم بطريقة رمزية مجازية للتعبير عن حقائق لاهوتية أزلية أبدية بواسطة اللغات البشرية القاصرة حتى يستوعبها عقل الأنسان المحدود. يعجز الإنسان عن وصف حقيقة الله باللغات البشرية بدون استخدام التشبيه والمجاز. يشبه هذا أب بشري يستخدم لغة بسيطة عندما يحاول شرح موضوع صعب لطفله.

عندما تحدث الوثنيون في القديم عن الثلاثيات، إعتقدوا باتحاد ثلاثة آلهة مستقلة، مثل 1+1+1=إتحاد كونفدرالي. الثالوث الأقدس ليس ثلاثة آلهة منفصلة متحدين في واحد. في الواقع، التوحيد المسيحي الثالوثي يدحض ويفند هذا الإعتقاد الوثني. العقيدة المسيحية للثالوث الأقدس تبدأ بواحد متميز في ثلاثة، وتنتهي في واحد. يشبه هذا 1=1×1×1=1. لقد خلق الله الواحد المثلث الأقانيم الطبيعة، وفرض عليها قوانين الفيزياء والرياضيات. ومع ذلك، هو نفسه لا يخضع لهذه القوانين. إنه يسمو فوقهم.

لم تُعلم المسيحية أبدا أن العذراء مريم، والدة السيد المسيح، هي إلهة. رغم ذلك، يقول القرآن في المائدة 5: 73-75، 116؛ النساء 4: 171؛ والتوبة 9: 31 أن المسيحيين يعبدون ثلاثة آلهة: ألله، ومريم، والسيد المسيح. لم يميز محمد بين هذه البدعة المسيحية القليلة الأهمية (بدعة المريميين) التي حاربتها الكنائس المسيحية واختفت في نهاية القرن السابع الميلادي وبين الإيمان المسيحي الصحيح المنتشر في كافة العالم المسيحي في زمانه.

بسبب وحدة الجوهر الأقدس الغير مُقسّم، تُوجد إرادة/طاقة واحدة فقط في الثالوث الأقدس لأشخاص اللاهوت الثلاثة. هذا يعني أنّ لا أحد من أشخاص اللاهوت الثلاثة يعمل بشكل مستقل من الشخصين الآخرين. هناك إلتقاء والتصاق متبادل دائما (يوحنا 5: 19؛ 10: 30). في الثالوث الأقدس، الآب هو المصدر الوحيد--الأصل الأول الذي ليس له أصل-- للإبن، وللروح القدس. إنّ أشخاص الثالوث الأقدس الثلاثة متّحدون في جوهر اللاهوت بدون وساطة أو مسافة. كلّ شخص إلهي يُقيم في الآخرين بدون إمتزاج وبدون إختلاط. في أيّ من أشخاص الثالوث الأقدس، الشخصين الآخرين مرئيان ومُعلنان بشكل مستمر، لأن الإنجاب والإنبثاق هي أفعال داخلية في اللاهوت المطلق اللانهائي.

كلّ شخص إلهي في الثالوث الأقدس يحتوي الآخرين؛ ويمتلك، ليس ثلث الألوهية، بل كلها. رغم ذلك، كلّ شخص في الثالوث الأقدس متميّز شخصيا. قوانين علم الرياضة المحدودة لا تنطبق على الله الذي هو أعلى منها. الله ثلاثة في واحد، وغير قابل للإنقسام. الله ليس محدودا. إنّ أشخاص الثالوث الأقدس الثلاثة متميزون، لكنّهم داخليون في وحدتهم ككائن لا يعرف أي تفريق لدرجة أنّه من المستحيل فصلهم لثلاث كيانات بينها عدم إستمرار. إنّ جوهر اللاهوت الموجود بذاته غير مُقسّم لأشخاص منفصلين. وحدة الله ليست وحدة أجزاء مفصولة، لكنها وحدة أجزاء مُتميّزة. هكذا، طاقات اللاهوت بأكمله تُعلن للمؤمن المسيحي أحيانا في الأب، وأحيانا أخرى في الإبن وفي الروح القدس.

إنّ أشخاص الثالوث الأقدس الثلاثة من نفس الجوهر الإلهي الواحد الغير منقسم؛ ولهم، في طبيعتهم الإلهية، نفس الخواص الإلهية بالنسبة للأبدية، والإرادة، والطاقة، والقوّة، والمجد، والسلطان. إنّ التمييز بينهم مؤسس على خواصهم الأقنومية التي تتعلق بمصدرهم. الأب هو المصدر الوحيد في الثالوث الأقدس الذي ليس له مصدر ويتميز بالأبوّة. الإبن يتميز بأنه إبن الآب المولود/المُنجب منه. الروح القدس يتميز بأنه مُنبثق من الآب. الله الآب لا يخلق الله الإبن والروح القدس تماما مثل الأم التي لا تخلق طفلها. الترتيب المذكور في الكتاب المقدّس للآب والإبن والروح القدس كالأشخاص الأول، والثاني، والثالث في الثالوث الأقدس لا يدلّ على أيّ رتبة، تفوق، أو تبعية لهم في الثالوث الأقدس لأنهم جميعا متساويين في اللاهوت وكائنين منذ الأزل إلى الأبد. هذا الترتيب يقترح فقط علاقة الأب كمصدر الإبن والروح القدس. لهذا السبب، الآب أعظم من الابن (يوحنا 14: 28).

في العملية الإلهية الواحدة، كلّ شخص إلهي في الثالوث الأقدس يساهم بما هو ملائم ومميز له: الأب، في المقام الأول ولكن ليس على سبيل الحصر، هو خالق الكلّ (ألله فوقنا)؛ الإبن (كلمة/حكمة الله الآب)، في المقام الأول ولكن ليس على سبيل الحصر، هو الذي به خُلِقت كلّ الأشياء وبه تم الفداء (الله معنا)؛ الروح القدس، في المقام الأول ولكن ليس على سبيل الحصر، هو مُعطي الحياة ومصدر التقديس (الله فينا وفي كل الخليقة). الله الواحد حاضر في كل أعمال الثالوث الأقدس.

إنّ أشخاص الثالوث الأقدس داخليون في بعضهم، ولذلك لا يحصلون على شيء من الخارج، لكنّهم متميزين في شخصياتهم، ويجدوا أنفسهم في حركة دائمة وحياة شركة محبّة وكينونة. تُقوّي هذه المشاركة الشخصية الكليّة الطابع الشخصي لله إلى الدرجة الأعظم. إنّ الوحدة الكاملة لأشخاص الثالوث الأقدس مؤسسة على الحبّ الإلهي المثالي الذي يتميّز بإنكار الذات التامّ. لا توجد أنانية في هذه الوحدة. الروح القدس، الشخص الثالث في الثالوث الأقدس، هو المعزي الذي يؤسّس حياة شركتنا مع الله. خلال الروح القدس، يسكن الله في المؤمن المسيحي. يقدّس الروح القدس تدريجيا المؤمن المسيحي في المسيح. خلال الروح القدس، يشارك المؤمن المسيحي في طاقات الله. نستطيع القول أنّ الروح القدس هو الله فينا، الإبن هو الله معنا، والآب هو الله الأعلى منّا.

2. الله ليس وحيد الشخص
(عودة إلى قائمة المحتويات)

من المهم تأكيد حقيقة أنّ الإله الذي هو شخص وحيد منحصر في ذاته لا يستطيع إختبار ملء السمات الإلهية الأساسية الخاصة بالعلاقات الشخصية لحياة الشركة والحبّ وسكب الذات التي يعيشها الأقانيم الإلهية الثلاثة للثالوث الأقدّس منذ الأزل. سمات إله التوراة والإنجيل الخاصة بالعلاقات الشخصية (مثل المحبة، والشركة، والتعاطف، وسكب الذات، الخ) قد أُعربت وعُبِرت منذ الأزل في إطار العلاقة بين الأشخاص الثلاثة للثالوث الاقدس. من جهة أخرى، الإله الوحيد الشخص يعتمد على خليقته للتعبير عن هذه الصفات. ليس لديه اكتفاء ذاتي في كيانه. إنه معتمد على خليقته ومُتغير. هو قابل للتغيير، لأن خليقته لم تكن موجودة في الأزل، وهو يعتمد على شيء خارج كيانه حتى ينمو في تحقيق ذاته. لذلك الإله الوحيد الشخص هو إله ناقص لأنه لا يستطيع أن يختبر ملء الوجود. الله القدير كامل في ذاته الإلهية في كلّ شيء. لذلك لديه إكتفاء ذاتي في داخله، ولا يحتاج إلى خليقته ليختبر حياة شركة المحبة معها أو ليعبر عن أي من سماته الإلهية الأساسية. الخليقة لا تضيف أيّ شيء لوجوده وكينونته. الله لم يخلق العالم لإشباع حاجة ضرورية لديه. الثالوث الأقدس ليس له إحتياج لآخر حيث يصبّ ويسكب محبّته العظيمة، لأن الآخر هو في الثالوث الأقدس. الله المُكتفي ذاتيا لا بعتمد على أيّ وجود غير إلهي خارج ذاته. انه الإله المُتسامي المطلق الغير قابل للتغيير. لذلك، الإله الحقيقي الحيّ للكون لا يمكن أن يكون إله وحيد الشخص.

النقص الآخر في الإله الوحيد الشخص أنّه يفتقر إلى وسائل المشاركة العميقة القريبة الوثيقة مع خليقته. لا يمكن أن تتم هذه المشاركة بواسطة ملاك يُرسله اللّه، لأن الملاك هو مخلوق محلي ومحدود يستطيع أن يتّصل خارجيا فقط بشخص واحد في وقت ما. كما أن الملاك لا يستطيع أن يُؤثر في قلب الإنسان من الداخل لكي يعطيه إضاءة إلهية داخلية. على عكس ذلك، الروح القدس الغير مخلوق للإله الحيّ المثلث الأقانيم غير محدود وغير محصور في مكان معين (المَزَامير 139: 7-12؛ إِرْمِيَا 23: 24؛ أَعْمَالِ الرُّسُلِ 17: 28). الروح القدس يضيء بانور الإلهي في الأعماق الداخلية لقلوب كثير من المسيحيين في نفس الوقت. يود الله حياة شركة مع خليقته. يسكن الله بروحه القدوس (الشخص الثالث في الثالوث الأقدس) في خليقته البشرية المؤمنة. هو إله عظيم جدا يحكم الكون، وهو إله يهتمّ بالبشر لدرجة أنه يحيى حياة بشرية كاملة في المسيح يسوع، وهو إله مُحب وودود لدرجة أنه يعيش في كلّ مؤمن مسيحي.

الإله الوحيد الشخص لا يُكوِّن علاقات. فقد عاش قبل الخليقة في عزلة تامة ووحدة كاملة في فراغ أبدي. لا يوجد في مجتمع إلهي. لا يستطيع إله وحيد الشخص أن يخلق كائنات ترغب المعيشة في مجتمع. على العكس من ذلك، تؤمن المسيحية أن الثالوث الأقدس هو المجتمع الإلهي الأزلي الأبدي في وحدة مطلقة. ولذلك، فإن البشرية، باعتبارها انعكاسا لإله المسيحية، ترغب المعيشة في مجتمع. أعمال الله هي انعكاس لطبيعته.

( د ) تعليم الكتاب المقدس عن الثالوث الأقدس
(عودة إلى قائمة المحتويات)

إنّ تعليم الكتاب المقدّس عن الثالوث الأقدس مؤسس في العهد القديم (التوراة؛ إلخ). ولذلك، فإن العقيدة المسيحية بالثالوث الأقدس هي تفصيل وبلورة للاهوت اليهودي التقليدي، وليس رفضه. تقدم المخطوطات الآرامية القديمة ومجموعة كبيرة من مخطوطات بين العهدين (400 ق.م. - 100 م) دليلاً على عقيدة التثليث الناشئة بين بعض اليهود. وفقا لبعض علماء اليهود البارزين، كانت مفاهيم الثالوث الأقدس موجودة بين اليهود في زمن يسوع. في الواقع، كان المسيحيون الأولون من أصل يهودي وأدمجوا عقيدة الثالوث الأقدس في الخلفية اللاهوتية اليهودية. في وقت لاحق، بعد أن ساءت العلاقات بين اليهود والمسيحيين، أصر اليهود على إله آحادي، كرد فعل على اللاهوت المسيحي.

تكلّم السيد المسيح، المخلص المنتظر الموعود، خلال إشعياء النبي قبل تجسده وولادته من مريم العذراء بحوالي سبعمائة سنة قائلا:

"تَقَدَّمُوا إِلَيَّ (ألإبن). إسْمَعُوا هَذَا. لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنَ الْبَدْءِ فِي الْخَفَاءِ. مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ وَالآنَ السَّيِّدُ الرَّبُّ (ألآب) أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ (ألروح القدس)" (إشعياء 48: 16؛ 42: 1؛ مزمور 33: 6؛ تكوين 3: 22)؛ "رُوحُ (ألروح القدس) السَّيِّدِ الرَّبِّ (ألآب) عَلَيَّ (ألإبن) لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ. أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ" (إشعياء 61: 1؛ 63: 7-10).

في كلتا الآيتين، "السيد الرب" هو الله الأب، وروح السيد الرب هو الروح القدس. ظهر الرب لإبراهيم في هيئة ثلاثة رجال تكلّموا معه كواحد؛ وعبد إبراهيم الواحد (تكوين 18: 1-5، 9-19). لقد عاش إبراهيم حوالي 2000 سنة قبل المسيح. تمجّد الملائكة الله في ملكوت السموات بترتيل ترنيمة الثلاث تقديسات: "قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ" (إشعياء 6: 3؛ رُؤْيَا 4: 8).

العهد الجديد (الإنجيل، إلخ) يوضّح ويؤكّد مبدأ الثالوث الأقدس. يؤكّد ألوهية ووحدة الآبّ، وكلمته (الإبن)، وروحه القدوس، فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ، وَهَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ. "فَأَجَابَ الْمَلاَكُ: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْك (مريم العذراء) وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ (ألآب) تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ" (لوقا 1: 35). "وَنَزَلَ عَلَيْهِ (يسوع) الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ. وَكَانَ صَوْتٌ (الآب) مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ بِكَ سُرِرْتُ!»" (لوقا 3: 22؛ متى 3: 16-17؛ 17: 2-5؛ أَعْمَالِ الرُّسُلِ 20: 28). تؤكّد الصيغة المختصة بالمعمودية ألوهية، وتمييز، ومساواة، ووحدة الأبّ، والإبن، والروح القدس: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ" (متى 28: 19؛ 16: 15-17). الآب، والإبن، والروح القدس كانوا متجلين ومتميّزين في معمودية السيد المسيح (متى 3: 16-17). مباركة القديس بولس الرسول تجمع بالتساوي وبتمييز السيد المسيح (ألإبن)، والله (الآب)، والروح القدس (2 كورنثوس 13: 14). الروح القدس لله الآب يًعلن الإبن: "بِهَذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللهِ (ألآب)، وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ. وَهَذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ الَّذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ يَأْتِي، وَالآنَ هُوَ فِي الْعَالَمِ" (1 يوحنا 4: 2-3). إنّ الروح القدس هو شخص إلهي في الثالوث الأقدس مُنبثق من الآب ومُرسل من الآب والإبن، كما قال المسيح: "وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي" (يوحنا 15: 26؛ كولوسي 1: 13-16؛ العبرانيين 1: 1-4).

( ه ) وحدة الله المثلث الأقانيم
(عودة إلى قائمة المحتويات)

لا تقل الثقة في وحدانية الله برؤية تعقيد وتفاصيل داخل تلك الوحدانية. إنّ وحدانية الله الحي المثلث الأقانيم كاملة تماما للأسباب التالية:

1. أشخاص الثالوث الأقدس الثلاثة: الآب، وكلمته (الإبن)، وروحه الأقدس من نفس الجوهر الإلهي الواحد الغير منقسم. هم من نفس المادة والطبيعة الإلهية الواحدة الغير منقسمة.

2. رغم أنّ هناك ثلاثة أشخاص في الاهوت، توجد إرادة واحدة فقط وطاقة مشتركة واحدة في الاهوت. الأبّ، الإبن، والروح القدس لهم نفس الإرادة الإلهية الواحدة، ليس ثلاثة؛ وفقط طاقة إلهية واحدة، ليس ثلاثة. لذلك، لا يمكن أن يحدث نزاع وخلاف في اللاهوت. لا يتصرّف أحد أشخاص الثالوث الأقدس أبدا منفصلا ومستقلا عن الإثنين الآخرين. هم إله واحد، ليسوا ثلاثة آلهة. قال المسيح: "أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ" (يوحنا 10: 30).

3. يوجد مصدر واحد فقط في اللاهوت: الله الآب. هو الأصل الوحيد الذي ليس له أصل في اللاهوت. ألله الإبن منجب/مولود من الله الآب. ألله الروح القدس مُنبثق من الله الآب.

4. يُقيم ويُوجد كلّ شخص من أشخاص الثالوث الأقدس الثلاثة في الشخصين الآخرين، بدون إختلاط وبدون إنفصال: "قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا مَعَكُمْ زَمَاناً هَذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ أَرِنَا الآبَ؟ أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟ ألْكلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي لَكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ" (يوحنا 14: 9-10).

5. "... اللهَ مَحَبَّةٌ" (يُوحَنَّا الأُولَى 4: 8). المحبة هي في طبيعة الله الواحد المثلث الأقانيم. تميز المحبة الإلهية اللانهائية الكاملة المستمرة المتبادلة العلاقة الإلهية الشخصية للأقانيم الثلاثة في الثالوث الأقدس. إشتياق الإنسان للحب يعكس هذه الحقيقة الإلهية.