"الله حَكِيمُ الْقَلْبِ وَشَدِيدُ الْقُوَّةِ. مَنْ تَصَلَّبَ عَلَيْهِ فَسَلِمَ؟" (أَيُّوبَ 9: 4) . . . . "هَئَنَذَا الرَّبُّ إِلَهُ كُلِّ ذِي جَسَدٍ. هَلْ يَعْسُرُ عَلَيَّ أَمْرٌ مَا؟" (إِرْمِيَا 32: 27) . . . . "هَذَا الرجل جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَقَالَ لَهُ: 'يَا مُعَلِّمُ نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللَّهِ مُعَلِّماً لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَهُ'" (يُوحَنَّا 3: 2) . . . . "وَكَانَ اللهُ يَصْنَعُ عَلَى يَدَيْ بُولُسَ قُوَّاتٍ غَيْرَ الْمُعْتَادَةِ" (أَعْمَالِ الرُّسُلِ 19: 11) . . . . "وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ" (مَرْقُسَ 16: 20)

مُعجزات الله الحي


( أ ) مقدمة
(عودة إلى قائمة المحتويات)

ألإله الحقيقي الحي قادر على كل شئ، عالم بكل شئ، كامل الحرية، كامل الصلاح، أبَدي بحسب طبيعته، وخالق كل شئ: "اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ" (اَلْمَزَامِيرُ 19: 1)؛ "فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ" (التَّكْوِينِ 1: 1). كل الأشياء تعتمد على الله، وهو لا يعتمد على أي شئ خارج ذاته. هو الأصل الأساسي والمصدر الرئيسي لكل الأشياء. وجود الله وقوته لا يعتمدا على القوانين التي تحكم العالم المادي المرئي. صمم وخلق وثبّت الرب الإله قوانين الطبيعة، ويضبط بها سلوك الكون وكل شئ فيه.

ألإله الحقيقي القدير ليس مجرد كلمة في كتاب على رف يعلوه التراب. بل هو حي وقوته غير محدودة. يتدخل الله من حين لآخر في النظام الطبيعي المخلوق لأسباب مختلفة. المعجزات الإلهية الأصلية هي من أعمال الإله الحقيقي الحي القدير. لقد صحبت هذه المعجزات والقوات الإلهية وحي اليهودية والمسيحية خاصة في الأوقات العصيبة الحرجة لتاريخهما. ويستمر حدوث هذه المعجزات الإلهية في ظروف خاصة في تاريخ الكنيسة المسيحية إلى يومنا هذا. نلقي نظرة شاملة فيما يلي على معجزات الله الحي منذ فجر تاريخ البشرية على الأرض حتى الآن.

(ب) أنواع المعجزات:
(عودة إلى قائمة المحتويات)

المعجزات الإلهية هي أعجوبات تفعلها قوة الإله الحقيقي الحي لمجده، ولمنفعة البشر. يدركها الإنسان بحواسه المختلفة (حواس النظر، والسمع، إلخ). تفعل قوة الله المعجزة إما بطريقة مباشرة، أو بطريقة غير مباشرة بواسطة مخلوقات حية أو غير حية. قد يفعل الله المعجزة بواسطة مخلوقات حية مثل ملائكة كما حدث في إنقاذ القديس بطرس الرسول من السجن (أَعْمَالِ الرُّسُلِ 12: 3-10). وقد يفعل الله المعجزة بواسطة بشر مختارين: مثل موسى النبي وهارون الكاهن (خُرُوجِ 7: 9-10، 14-21) إيليا النبي (الْمُلُوكِ الأَوَّلُ 17)، أليشع النبي (الْمُلُوكِ الثَّانِي 5)، رسل السيد المسيح (أَعْمَالِ الرُّسُلِ 2: 43)، القديس بطرس الرسول (أَعْمَالِ الرُّسُلِ 9: 36-42)، القديس بولس الرسول (أَعْمَالِ الرُّسُلِ 19: 11-12؛ 20: 7-12)، الكنيسة الأولي (غَلاَطِيَّةَ 3: 5)، ألخ.

وقد يفعل الله المعجزة بواسطة أشياء مخلوقة غير حية لها علاقة خاصة به:
1. مخلفات وبقايا القديسين، مثل رداء إيليا النبي (الْمُلُوكِ الثَّانِي 2: 6-9، 14)، عظام أليشع النبي (الْمُلُوكِ الثَّانِي 13: 20-21)، هدب ثوب السيد المسيح (مَتَّى 9: 20-22)، مناديل ومآزر القديس بولس الرسول (أَعْمَالِ الرُّسُلِ 19: 12)؛
2. أيقونات مقدسة، مثل حية النحاس (عَدَدِ 21: 5-9)؛
3. أشياء مقدسة، مثل تابوت العهد، أواني معبد سليمان المقدسة (دَانِيآلَ 5)؛
4. أماكن مقدسة، مثل معبد أورشليم (القدس) (أَخْبَارِ الأَيَّامِ الثَّانِي 7: 1-2)، مياه نهر الأردن (الْمُلُوكِ الثَّانِي 5)، بركة بَيْتُ حِسْدَا (يُوحَنَّا 5: 1-16).

( 1 ) أعمال غير طبيعية مطلوبة (عودة إلى قائمة المحتويات)

الله، الذي يعطي لقوانين الطبيعة فعاليتها، يتدخل من حين لآخر ويسمو ويعلو عليها لأسباب مختلفة بدون التأثير في توازنها وتناسقها. المعجزات تُظهر وتُعلن بجلاء مجد الله الحي القوي وقواته الخارقه للطبيعة عندما يتدخل مباشرة في نظام الطبيعة التي خلقها. العلم يعجز عن شرح وتفسير هذه المعجزات. لا تستطيع قوات الطبيعة أن تفعلها.

تكثر هذه المعجزات في الكتاب المقدس. نذكر هنا بعضا منها. وُلد إسحاق بمعجزة بعدما وعد الرب الإله أبيه إبراهيم قائلا: "بَلْ سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ" (التَّكْوِينِ 17: 19 أ؛ 21: 1-8). كان إبراهيم وسارة في شيخوختهما. كانت سارة أمه تبلغ من العمر تسعين عاما، وإبراهيم أبوه مئة عاما: "وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ شَيْخَيْنِ مُتَقَدِّمَيْنِ فِي الأَيَّامِ وَقَدِ انْقَطَعَ أَنْ يَكُونَ لِسَارَةَ عَادَةٌ كَالنِّسَاءِ" (التَّكْوِينِ 18: 11). أطعم الرب إليا النبي والأرملة التي استضافته وابنها أثناء القحط والمجاعة لمدة ثلاث سنين وستة أشهر من ملء كفٍ من الدقيق وقليل من الزيت (الْمُلُوكِ الأَوَّلُ 17: 12). حتى نهاية المجاعة "كُوَّارُ الدَّقِيقِ لَمْ يَفْرُغْ، وَكُوزُ الزَّيْتِ لَمْ يَنْقُصْ، حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ إِيلِيَّا" (الْمُلُوكِ الأَوَّلُ 17: 16).

فعل السيد المسيح معجزات خلق—خلق مادة جديدة. أطعم آلاف من الجموع الجائعة بتكثير قليل من الخبز والأسماك ثم جمع كثير من الفضلات في سلال (لُوقَا 9: 11-17؛ مَتَّى 15: 32-39). خلق السيد المسيح عينان لرجل مولود أعمى (يوحنا 9). وُلِد هذا الرجل بدون مُقل العيون. يسوع خلق فيه مقلتي عينين جديدتين من الطين الذي دهن به محاجر عيني الرجل الأعمى. تُذكّرنا هذه المعجزة بخلق الله لآدم من طين الأرض (تكوين 2: 7). أقام السيد المسيح لعازر من الأموات بعد موته بأربعة أيام وقد بدأت جثته تتعفن في قبره (يوحنا 11: 1-44).

يمكن شفاء بعض الأمراض، التي شفاها السيد المسيح بمعجزات، بوسائل الطب الحديث التي لم تكن متوفرة في وقته. لكن طريقة شفاء السيد المسيح للأمراض المختلفة كانت إعجازية، إذ أنه قد شفاها لحظيا بكلمة من فمه (شفاء الأبرص والمفلوج (لُوقَا 5: 12-26) إلخ).

( 2 ) أعمال مطلوبة تستخدم قوانين الطبيعة
(عودة إلى قائمة المحتويات)

أحيانا يُوجّه الله نبيا إلى أن يطلب معجزة معينة. ثم يستجيب الرب الإله لطلبة وصلاة النبي بالمعجزة ويعمل المعجزة مستخدما قوى الطبيعة التي تبدأ عملها فور طلبة النبي. على سبيل المثال، ضرب الرب الإله أرض مصر بعشرة ضربات حتى يُجبر فرعون على إطلاق سراح بني إسرائيل المستعبدين في مصر حينذاك. في الضربة الثامنة، ضرب الرب أرض مصر بالجراد (الْخُرُوجِ 10: 3-20). مد موسى النبي عصاه على أرض مصر كما أمره الرب، "فَجَلَبَ الرَّبُّ عَلَى الأَرْضِ رِيحاً شَرْقِيَّةً كُلَّ ذَلِكَ النَّهَارِ وَكُلَّ اللَّيْلِ. وَلَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ حَمَلَتِ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ الْجَرَادَ. فَصَعِدَ الْجَرَادُ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ وَحَلَّ فِي جَمِيعِ تُخُومِ مِصْرَ. شَيْءٌ ثَقِيلٌ جِدّاً لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ جَرَادٌ هَكَذَا مِثْلَهُ وَلاَ يَكُونُ بَعْدَهُ كَذَلِكَ" (الْخُرُوجِ 10: 13 ب-14). إستخدم الرب قوى الطبيعة لجلب الجراد الذي طلبه موسى النبي. كما أنه إستخدم قوى الطبيعة ليزيل الجراد من أرض مصر بعد ذلك. طلب موسى النبي من الرب إزالة الجراد، "فَرَدَّ الرَّبُّ رِيحاً غَرْبِيَّةً شَدِيدَةً جِدّاً فَحَمَلَتِ الْجَرَادَ وَطَرَحَتْهُ إِلَى بَحْرِ سُوفَ. لَمْ تَبْقَ جَرَادَةٌ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ تُخُومِ مِصْرَ" (الْخُرُوجِ 10: 19). كما أن الرب الإله إستخدم قوى الطبيعة بناء على طلب موسى النبي ليشق مياه البحر الأحمر حتى يهرب بني إسرائيل من جيش فرعون الذي كان يتبعهم: "وَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ عَلَى الْبَحْرِ فَأَجْرَى الرَّبُّ الْبَحْرَ بِرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ شَدِيدَةٍ كُلَّ اللَّيْلِ وَجَعَلَ الْبَحْرَ يَابِسَةً وَانْشَقَّ الْمَاءُ" (الْخُرُوجِ 14: 21).

(ج) خواص رئيسية للمعجزات
(عودة إلى قائمة المحتويات)

هناك خواص مُمَيّزة هامة للمعجزات التي تهمنا. تحدث هذه المعجزات بقوة الله الحي بعد طلب أو أمر من الشخص الذي يفعل المعجزة. لذلك، ليست هذه المعجزات حوادث عشوائية تحدث بالصدفة. على سبيل المثال، معجزات موسى، يشوع، إيليا، أليشع، إلخ حدثت بناء على طلباتهم وصلواتهم. أمر السيد المسيح معجزاته.

تنعم العناية الإلهية على الإنسان بالمعجزات المختلفة. لهذا فظروف وأهداف المعجزات الإلهية على مستوى أخلاقي رفيع. بوجه عام، ليس الإيمان شرطا ضروريا لعمل المعجزات. فنلاحظ مثلا أنه على الرغم من خوف تلاميذ السيد المسيح وضعف إيمانهم فعل السيد المسيح معجزات مختلفة مثل معجزة تهدئة العاصفة (مَرْقُسَ 4: 40)، معجزة المشي على الماء (مَرْقُسَ 6: 51)، معجزة صيد السمك الكثير (لُوقَا 5: 8-10)، ومعجزات إخراج الأرواح الشريرة. في بعض المعجزات طلب السيد المسيح الإيمان، لكن لم يكن الإيمان شرطا لفعل المعجزة. بل كان فقط البيئة المناسبة لاستخدام قوته وسلطانه لفعل المعجزة.

لقد فعل السيد المسيح في معجزاته اللحظية المحلية أعمال الله العالمية في الماضي والحاضر والمستقبل. نذكر هنا بعض هذه المعجزات كأمثلة.

خلق السيد المسيح عينين جديدتين من طين الأرض لرجل مولود أعمى بدون مقلتي العيون مثلما خلق الله الإنسان من طين الأرض في القديم (يُوحَنَّا 9؛ تَّكْوِينِ 2: 7). كثر السيد المسيح قليلا من الخبز والسمك ليطعم آلافا من الناس الجائعين (متى 14: 15-21؛ 15: 32-39). كل عام يكثر الله قليلا من بذور القمح المزروعة في الأرض ويحولها إلى كثير من القمح في الحصاد. وكل عام يكثر الله السمك في كل نهر وبحيرة وبحر.

أقام السيد المسيح الرجل لعازر من الموت بعد موته بأربعة أيام وقد بدأت جثته تتعفن في قبره (يُوحَنَّا 11: 1-44). تشير هذه المعجزة إلى القيامة العامة للأموات حيث يقيم السيد المسيح كل الأموات. تجلى السيد المسيح على جبل طابور أمام تلاميذه بطرس ويعقوب ويوحنا، حيث أَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ (مَتَّى 17: 1-8). مشى السيد المسيح على المياه الهائجة لبحر الجليل (مَتَّى 14: 22-33). تخبرنا هذين المعجزتين عن بعض خواص الطبيعة البشرية الجديدة التي سيحصل عليها المؤمنون بعد قيامتهم من الأموات.

من الهام جدا التمييز بين معجزات الله الحي القوي القادر على كل شئ ومُنجزات المواهب البشرية. مُنجزات المواهب البشرية ليست معجزات. لدى بعض الأشخاص موهبة جسدية—هم ذو أجسام ضخمة وعضلات قوية. أشخاص آخرون ذو ذاكرة قوية. البعض لديه موهبة اللغات—لديهم مقدرة تعلّم لغات كثيرة ولغات غير مكتوبة بسرعة وتذكّرها. لدى البعض الآخر موهبة الخطابة. يُلقون خُطبا تثير المشاعر. أخرون كتاب وشعراء موهوبون. يُألّفون مقالات وكتابات وشعر رائع. من الهام التاكيد أن روعة الكتابة وفصاحة الخطابة مواهب بشرية وليست معجزات من الله الحي القوي. لذلك لا يُمكن القول أن أي كِتاب معجزة لفصاحته اللغوية. الأعمال الأدبية الرائعة لكُتاب وشعراء موهوبين ليست معجزات. مثلا، شعر أحمد شوقي وهومر (الضرير الأمي) وكتابات عباس العقاد وطه حسين وشكسبير ليست معجزات. كما أنه لا يمكن إعتبار القرآن معجزة حتى لو كان عملا أدبيا جيدا، وهو ليس كذلك. نقدم التحليل التفصيلي لأسباب أن القرآن ليس معجزة في هذه الصفحة.

من المهم أيضا التمييز بين معجزات الله الحي وحالات أمراض عصبية وحالات تسلط الشياطين. إذا حدث لشخص تشنجات وابتدأ فمه يزبد، فإما هذا الشخص مصاب بمرض الصرع أو بمرض عصبي آخر أو متسلط عليه شيطان. في الواقع أخرج السيد المسيح أرواحا شريرة كانت تعذب الشخص المتسلطة عليه بهذه الطريقة عينها: "وَإِذَا رَجُلٌ مِنَ الْجَمْعِ صَرَخَ: «يَا مُعَلِّمُ أَطْلُبُ إِلَيْكَ. اُنْظُرْ إِلَى ابْنِي فَإِنَّهُ وَحِيدٌ لِي. وَهَا رُوحٌ يَأْخُذُهُ فَيَصْرُخُ بَغْتَةً فَيَصْرَعُهُ مُزْبِداً وَبِالْجَهْدِ يُفَارِقُهُ مُرَضِّضاً إِيَّاهُ. وَطَلَبْتُ مِنْ تَلاَمِيذِكَ أَنْ يُخْرِجُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا». فَأَجَابَ يَسُوعُ: «أَيُّهَا الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ وَالْمُلْتَوِي إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ وَأَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمِ ابْنَكَ إِلَى هُنَا». وَبَيْنَمَا هُوَ آتٍ مَزَّقَهُ الشَّيْطَانُ وَصَرَعَهُ فَانْتَهَرَ يَسُوعُ الرُّوحَ النَّجِسَ وَشَفَى الصَّبِيَّ وَسَلَّمَهُ إِلَى أَبِيهِ. فَبُهِتَ الْجَمِيعُ مِنْ عَظَمَةِ اللهِ..." (لُوقَا 9: 38-43). هذا بالضبط ما كان يحدث لمحمد القريشي عندما كان يدعي بالوحي. أكان هذا وحيا شيطانيا، وليس وحيا إلهيا؟

تشنجات عصبية مؤدية إلى غيبوبة مثلما حدث لمحمد لا يمكن أن تكون معجزات لله الحي. الرب الإله قدّوس ومُحِب وأمين. لا يخون أنبياءه الذين يخدمونه ولا يُعذبهم بقسوة. ولا يرسل ملائكته لتعذيبهم. في الواقع، يعلمنا الكتاب المقدس أنه عندما كان جبرائيل الملاك يظهر لشخص ليعطيه رسالة من الرب، كان يطمئنه أولا على سلامته وأمانه: "فَقَالَ لَهُ الْمَلاَكُ: لاَ تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا... أَنَا جِبْرَائِيلُ الْوَاقِفُ قُدَّامَ اللهِ وَأُرْسِلْتُ لأُكَلِّمَكَ..." (لُوقَا 1: 13، 19)؛ "وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ" (لُوقَا 1: 26-27، 30).

( د) أهداف المعجزات:
(عودة إلى قائمة المحتويات)

يتدخل الله الحي من حين لآخر في المجال البشري الزمني لأسباب هامة نناقشها هنا. الغرضان الرئيسيان لأي معجزة إلهية هما تجلي وإعلان مجد الله، وفائدة ومنفعة الإنسان. لذلك، لا تؤدي المعجزات الإلهية إلى اضطراب وخلاف. كما أنها لا تحتوي على عناصر شريرة عديمة النفع والمعنى. يميزهم هذا من الحيل والأعجوبات التي يقوم بها السحرة والأرواح الشريرة، التي تفتقر إلى المعنى والغرض والأخلاق الرفيعة، التي تميز معجزات الله الحي لمنفعة الإنسان. الله الحي القدير فقط هو القادر على صنع معجزات قوية، مثل إحياء الموتى (لوقا 7؛ يوحنا 11؛ الخ)، وخلق عيون جديدة لرجل مولود بدون مقل العيون (يوحنا 9)، إلخ. قوة الأرواح الشريرة محدودة. لا تستطيع أن تفعل هذه المعجزات (خروج 8: 18-19؛ الخ).

تصدق معجزات الله على مبادئ الإيمان وتحث على قبولها. كما أنها تشهد على قداسة خدام الله، تمنح فوائد، وتنفذ العدل الإلهي. معجزات الله الحي هي أقوى دليل وبرهان يؤكد أصالة الوحي الإلهي.

( 1 ) ألمعجزات تُثبت أصالة الوحي الإلهي (عودة إلى قائمة المحتويات)

تصاحب المعجزات الوحي الإلهي الحقيقي، وتغرس الثقة فيه. كثيرا ما تُثبت المعجزات وتُأكد المصدر والأصل الإلهي للوحي. المعجزات الألهية هي الدليل الموضوعي المرئي والبرهان الأكيد الصلد الذي يضمن أصالة وصحة الإلهام الذهني الداخلي لروح الإنسان ويصدق عليه ويُثبت بلا شك مصدره الإلهي.

تؤكد المعجزات المصدر الإلهي للوحي المزعوم فقط إذا كانت تعاليمه تتسق وتنسجم تماما مع كل الوحي السابق الراسخ القائم بدون استثناء. الوحي الجديد يشرح السابق له، ويحققه، ويكمله، ويقدم له التطور التدريجي بحسب ما يناسب مستوى النضج الديني للبشرية ومقدرتها على تقبل واستيعاب الوحي الجديد. لا يمكن للنبي الجديد أن يقدم تعاليم وعقائد جديدة تعارض وتناقض الوحي السابق المعروف والمقبول الذي تم التبشير به لعدة قرون من قبله. "إِذَا قَامَ فِي وَسَطِكَ نَبِيٌّ أَوْ حَالِمٌ حُلماً وَأَعْطَاكَ آيَةً أَوْ أُعْجُوبَةً. وَلوْ حَدَثَتِ الآيَةُ أَوِ الأُعْجُوبَةُ التِي كَلمَكَ عَنْهَا قَائِلاً: لِنَذْهَبْ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لمْ تَعْرِفْهَا وَنَعْبُدْهَا. فَلا تَسْمَعْ لِكَلامِ ذَلِكَ النَّبِيِّ أَوِ الحَالِمِ ذَلِكَ الحُلمَ لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ يَمْتَحِنُكُمْ لِيَعْلمَ هَل تُحِبُّونَ الرَّبَّ إِلهَكُمْ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَنْفُسِكُمْ ..." (تثنية 13: 1-4؛ إرميا 14: 14؛ 23: 16-32). لقد حذرنا السيد المسيح من خداع معجزات أنبياء كذبة قائلا: "سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضاً" (متى 24: 24).

دعى الرب موسى النبي من العليقة (الشُجيرة) المشتعلة بالنار في جبل سيناء لكي يرسله ليحرر بني إسرائيل من عبودية واستغلال فرعون لهم: "فَالآنَ هَلُمَّ فَأُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ" (الْخُرُوجِ 3: 10). جذبت المعجزة التي رآها موسى النبي إنتباهه إلى الدعوة الإلهية: "فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ!" (الْخُرُوجِ 3: 2 ب). وجه موسى النبي للرب سؤالا هاما وأساسيا جدا: "وَلَكِنْ هَا هُمْ لاَ يُصَدِّقُونَنِي وَلاَ يَسْمَعُونَ لِقَوْلِي بَلْ يَقُولُونَ لَمْ يَظْهَرْ لَكَ الرَّبُّ" (الْخُرُوجِ 4: 1). سأل موسى النبي كيف يثبت لبني إسرائيل أن الله قد أرسله إليهم. أجابه الرب بأن أعطاه مقدرة عمل معجزات لكي يثبت لهم أصالة وحيه.

إعترف بنو إسرائيل بالإله الحقيقي الحي وعبدوه بعدما شاهدوا معجزة إيليا النبي على جبل الكرمل (الْمُلُوكِ الأَوَّلُ 18: 20-40). شفى أليشع النبي نعمان، قائد الجيش السوري، من برصه. لذلك آمن نعمان بالإله الحي الحقيقي (الْمُلُوكِ الثَّانِي 5: 1-15).

ليست المعجزات شيئا ثانويا بالنسبة للسيد المسيح. بل هي جزء أساسي رئيسي من إنجيله ومن حياته وتعاليمه المقدسة. مارس السيد المسيح القوة الإلهية بطرق مختلفة في مواقف كثيرة. شفى المرضى؛ أخرج الأرواح الشريرة التي عذبت البشر؛ وهب البصر للعميان؛ أطعم الجياع؛ أقام الأموات؛ هدأ العاصفة؛ مشى على مياه البحر الهائجة؛ إلخ. بعض هذه المعجزات فريدة من نوعها في تاريخ البشرية. في الواقع، كثيرا ما استشهد السيد المسيح بمعجزاته الكثيرة القوية كالبرهان والدليل القاطع النهائي على أصالة رسالته الإلهية وعلى شخصه الإلهي وبنوته لله الآب. قال يسوع: "إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي (الله الآب) فلاَ تُؤْمِنُوا بِي. وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ" (يُوحَنَّا 10: 37-38؛ 5: 36؛ 20: 31). كما أنه انتقد وأدان اليهود المعاندين الذين قد رفضوا الإيمان به رغم مشاهدتهم لمعجزاته الكثيرة إذ ليس لهم عذر (يوحنا 15: 22، 24). ولقد وهب السيد المسيح لرسله ولتلاميذه ولكنيسته قوة عمل المعجزات بإسمه (متى 10: 8؛ لوقا 10: 9، 19؛ مرقس 3: 15؛ 16: 17).

( 2 ) ألمعجزات جُزء من الوحي الإلهي
(عودة إلى قائمة المحتويات)

بالإضافة إلى إثبات أصالة وصحة ومصدر الوحي الإلهي، ألمعجزات تشكل أيضا جزءا من هذا الوحي. تكشف المعجزات وتوضح جوانب مختلفة من سمات وإرادة الله، "الصَّانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ الْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا. الْحَافِظِ الأَمَانَةَ إِلَى الأَبَدِ. الْمُجْرِي حُكْماً لِلْمَظْلُومِينَ الْمُعْطِي خُبْزاً لِلْجِيَاعِ. الرَّبُّ يُطْلِقُ الأَسْرَى. الرَّبُّ يَفْتَحُ أَعْيُنَ الْعُمْيِ. الرَّبُّ يُقَوِّمُ الْمُنْحَنِينَ. الرَّبُّ يُحِبُّ الصِّدِّيقِينَ. الرَّبُّ يَحْفَظُ الْغُرَبَاءَ. يَعْضُدُ الْيَتِيمَ وَالأَرْمَلَةَ. أَمَّا طَرِيقُ الأَشْرَارِ فَيُعَوِّجُهُ" (اَلْمَزَامِيرُ 146: 6-9).

أعلن الرب الإله عن نفسه في العهد القديم (التوراة، إلخ) كمحرر ومخلص للمُستعبدين (بني إسرائيل) من عبودية فرعون بواسطة معجزات وقوات: "أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ" (الْخُرُوجِ 20: 2)؛ "فَأَخْرَجَنَا مِنْ مِصْرَ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ رَفِيعَةٍ وَمَخَاوِفَ عَظِيمَةٍ وَآيَاتٍ وَعَجَائِبَ" (التَّثْنِيَةِ 26: 8). بمعجزات قوية أعلن الله أنه يدين خطايا وشرور البشر في أحداث عظيمة مثل طوفان نوح (تكوين 6: 5-8: 14)، تدمير مدن سدوم وعمورة (تكوين 19: 1-29)، وتدمير مملكة إسرائيل الشمالية في عام 722 قبل الميلاد (الْمُلُوكِ الثَّانِي 17: 6-23) ومملكة يهوذا الجنوبية في عام 586 قبل الميلاد (الْمُلُوكِ الثَّانِي 25) بسسبب تجاديفهم وظلمهم وتعدياتهم.

أعلن وأظهر الله سماته القدسية اللاهوتية بالكامل فيما يختص بالبشر في شخص يسوع المسيح، كلمة الله المتجسد، بتعاليم ومعجزات قوية. أعلن الله في المسيح يسوع سمة محبته الفائضة للبشر واعتناءه بهم بمعجزات شفاء المرضى، إشباع الجياع، إقامة الموتى، إخراج الأرواح الشريرة، وتحرير الذين يؤمنون به من عبودية الخطية والفساد. تؤكد هذه المعجزات رأفة الله بالبشرية المتألمة الخاطئة. تشير معجزات الشفاء الكثيرة إلى عمل السيد المسيح في النفس البشرية لتجديدها بشفاء أمراضها الروحية. تؤكد معجزات إقامة الموتى أن السيد المسيح قد أتى ليعطي حياة فائضة للبشرية وينقذها من موتها الروحي. ردّا على إستفسار يوحنا المعمدان، "فَأَجَابَهُمَا يَسُوعُ: 'إذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا تَسْمَعَانِ وَتَنْظُرَانِ: اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ وَالْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ وَالصُّمُّ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ وَالْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ. وَطُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِي'َّ" (مَتَّى 11: 4-6).

( 3 ) ألمعجزات تنتج من تفاعل الله الحي مع البشرية
(عودة إلى قائمة المحتويات)

أحد الأساليب الهامة لتفاعل الله مع البشرية هو تدخّله في النظام الطبيعي ردّا على الحالة والإحتياجات البشرية. هذا هو تفاعل الله مع البشرية. يرد الله على خطايا وشرور البشر بالتحذير والتأديب ثم الدينونة. رد الله على ظلم وشرور البشر في وقت نوح بتدميرهم بالطوفان بينما أنقذ نوح وعائلته حتى يبدأ عصر جديد على الأرض (تكوين 6: 5-8: 14). رد الله على الفساد الأخلاقي لشعب مدينتي سدوم وعمورة بتدميرهما بالنار (تكوين 19: 1-29). رد الله على صلف وتعالي فرعون بضربه بعشر ضربات (الْخُرُوجِ 7: 10-12: 36)، ثم بتدمير جيشه في مياه البحر الأحمر (الْخُرُوجِ 14). رد الله على عدم إيمان بني إسرائيل بالحكم على الجيل الذي تمرد عليه بالموت في برية سيناء وبعدم دخول أرض الموعد (عدد 14). رد الله على تجاديف وفساد مدن أرض كنعان القديمة بتدميرهم بجيش يشوع الذى أيده بمعجزات وقوات (يشوع 6-12). رد الله على تجاديف وخطايا مملكة إسرائيل الشمالية القديمة بتدميرها بجيش الإمبراطورية الأشورية في عام 722 قبل الميلاد (الْمُلُوكِ الثَّانِي 17: 6-23)، والمملكة الجنوبية ليهوذا بجيش إمبراطورية بابل في عام 586 قبل الميلاد (الْمُلُوكِ الثَّانِي 25). إستجاب الله لتوبة أهل مدينة نينوى نتيجة لتحذير يونان النبي بمغفرة خطاياهم وإنقاذ المدينة من الدمار والدينونة (يونان 3).

كما أن الرب الإله يستجيب إيجابيا إلى صلوات وعبادة المؤمنين الذين يعيشون في حياة شركة مع المسيح. إنها مسرة الرب أن يكون للإنسان علاقة شخصية معه. يريد الرب أن يسير الإنسان ،الذي خلقه كائنا يتمتع بالحرية والوعي مثله، في حياة شركة معه: "لَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمَ" (الأَمْثَالِ 8: 31 ب)؛ "وَقَالَ اللهُ: ' نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ'" (التَّكْوِينِ 1: 26). ردّا على طلبات موسى النبي، أعطى الرب منا وسلوى ليطعم بني إسرائيل لمدة أربعين عاما في صحراء سيناء (الْخُرُوجِ 16: 3-36؛ العدد 11: 6-9، 31-35؛ التَّثْنِيَةِ 8: 3، 16). كما أعطاهم الرب ماءا للشرب في الصحراء (الْخُرُوجِ 15: 23-25؛ 17: 1-7؛ العدد: 20: 7-13). ردا على طلبة يشوع، أطال الرب الإله يوم المعركة الحاسمة في أرض كنعان حتى يحقق يشوع النصر النهائي (يشوع 10: 12-14). أطعم الرب إليا النبي والأرملة التي استضافته وابنها أثناء القحط والمجاعة لمدة ثلاث سنين وستة أشهر من ملء كفٍ من الدقيق وقليل من الزيت (الْمُلُوكِ الأَوَّلُ 17: 8-16؛ لوقا 4: 25) في عهد آخاب ملك المملكة الشمالية لإسرائيل القديمة (874-853 ق.م.). أنهى الله الجفاف بعد ذلك استجابة لطلبات إيليا النبي (الْمُلُوكِ الأَوَّلُ 18: 41-45). ضرب الرب الإله جيش سنحاريب ملك أشور في عام 701 قبل الميلاد استجابة إلى صلوات وتضرعات حزقيّا ملك مملكة يهوذا الجنوبية (الْمُلُوكِ الثَّانِي 19: 14-37)؛ "وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ خَرَجَ وَضَرَبَ مِنْ جَيْشِ أَشُّورَ مِئَةَ أَلْفٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ أَلْفاً. وَلَمَّا بَكَّرُوا صَبَاحاً إِذَا هُمْ جَمِيعاً جُثَثٌ مَيِّتَةٌ" (الْمُلُوكِ الثَّانِي 19: 35). بعد ذلك شفى الرب حزقيّا إستجابة لتضرّعاته (الْمُلُوكِ الثَّانِي 20: 1-11).

شفى السيد المسيح المرضى، أشبع الجياع، أقام الموتى، أخرج الأرواح الشرّيرة، هدّأ قوى الطبيعة الهائجة إستجابة إلى الإحتياجات البشرية.

تفاعل الرب الإله مع المواقف البشرية واستجابته للاحتياجات البشرية بواسطة معجزات شفاء، إخراج شياطين، وأنواع أخرى من المعجزات مستمر في عصر الكنيسة إلى هذا اليوم، وحتى نهاية الدهر، لأن الله الحي لا يتغير.

( ه ) أمثلة لمعجزات الله الحي:
(عودة إلى قائمة المحتويات)

نقدم هنا باختصار بعض المعجزات من حقب مختلفة من التاريخ.

( 1 ) العهد القديم (التوراة، إلخ):

أ. دعوة موسى إلى النبوة

دعي الرب الإله موسى إلى النبوة في القرن الخامس عشر قبل الميلاد بمعجزة الشجيرة المشتعلة. لم تحترق الشجيرة (العليقة) رغم أنها كانت متقدة بالنار.

""وَأَمَّا مُوسَى فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ كَاهِنِ مِدْيَانَ فَسَاقَ الْغَنَمَ إِلَى وَرَاءِ الْبَرِّيَّةِ وَجَاءَ إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ. وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ! فَقَالَ مُوسَى: «أَمِيلُ الآنَ لأَنْظُرَ هَذَا الْمَنْظَرَ الْعَظِيمَ. لِمَاذَا لاَ تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟» فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ نَادَاهُ اللهُ مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: «مُوسَى مُوسَى». فَقَالَ: «هَئَنَذَا». فَقَالَ: «لاَ تَقْتَرِبْ إِلَى هَهُنَا. اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ لأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ». ثُمَّ قَالَ: «أَنَا إِلَهُ أَبِيكَ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ». فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى اللهِ. فَقَالَ الرَّبُّ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ فَنَزَلْتُ لِأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَناً وَعَسَلاً إِلَى مَكَانِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. وَالآنَ هُوَذَا صُرَاخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَتَى إِلَيَّ وَرَأَيْتُ أَيْضاً الضِّيقَةَ الَّتِي يُضَايِقُهُمْ بِهَا الْمِصْرِيُّونَ. فَالآنَ هَلُمَّ فَأُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ». فَقَالَ مُوسَى لِلَّهِ: «مَنْ أَنَا حَتَّى أَذْهَبَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَحَتَّى أُخْرِجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ؟» فَقَالَ: «إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ وَهَذِهِ تَكُونُ لَكَ الْعَلاَمَةُ أَنِّي أَرْسَلْتُكَ: حِينَمَا تُخْرِجُ الشَّعْبَ مِنْ مِصْرَ تَعْبُدُونَ اللهَ عَلَى هَذَا الْجَبَلِ»" (خُرُوجِ 3: 1-12).

ترمز العليقة (الشجيرة) المشتعلة إلى السيدة العذراء مريم عندما كانت حبلى بالطفل يسوع. وترمز النار إلى قوة ومجد لاهوت السيد المسيح الذي سكن في رحمها لمدة تسعة أشهر. كما أن النار الإلهية لم تحرق العليقة التي رآها موسى النبي، قوة ومجد لاهوت السيد المسيح لم يسببا أي ضرر لأمه بحسب الجسد السيدة العذراء مريم.

لم يخشى موسى النبي على حياته في هذه المقابلة. فلم تكن اختبارا مؤلما مخيفا يسبب الرعب في قلب موسى النبي. الإله الحقيقي الحي قدوس وأمين ومحب للبشر. لا يخون أنبياءه الذين يخدمونه ولا يُعذبهم بقسوة. ولا يرسل ملائكته لتعذيبهم. في الواقع، يعلمنا الكتاب المقدس أنه عندما كان جبرائيل الملاك يظهر لشخص ليعطيه رسالة من الرب، كان يطمئنه أولا على سلامته وأمانه: "فَقَالَ لَهُ الْمَلاَكُ: لاَ تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا... أَنَا جِبْرَائِيلُ الْوَاقِفُ قُدَّامَ اللهِ وَأُرْسِلْتُ لأُكَلِّمَكَ..." (لُوقَا 1: 13، 19)؛ "وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ" (لُوقَا 1: 26-27، 30).

ب. إيليّا النبي على جبل الكرمل:
. . .الله الحي يُدمّر إلها وثنيا ميّتا
(عودة إلى قائمة المحتويات) إيليّا النبي على جبل الكرمل؛ فَسَقَطَتْ نَارُ الرَّبِّ وَأَكَلَتِ الْمُحْرَقَةَ وَالْحَطَبَ وَالْحِجَارَةَ وَالتُّرَابَ، وَلَحَسَتِ الْمِيَاهَ الَّتِي فِي الْقَنَاةِ

في عهد آخاب ملك مملكة اسرائيل الشمالية (874-853 ق.م.) ترك بنوا إسرائيل إله آبائهم الحي وعبدوا آلهة وثنية تدعى البعل والسّوارى (زوجة البعل). "لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ" (مَتَّى 6: 24 أ). فعل الرب معجزة عظيمة على يد إيليا النبي حتى يرجعوا إليه.

وَلَمَّا رَأَى أَخْآبُ إِيلِيَّا قَالَ لَهُ أَخْآبُ: "أَأَنْتَ هُوَ مُكَدِّرُ إِسْرَائِيلَ؟" فَقَالَ: "لَمْ أُكَدِّرْ إِسْرَائِيلَ، بَلْ أَنْتَ وَبَيْتُ أَبِيكَ بِتَرْكِكُمْ وَصَايَا الرَّبِّ وَبِسَيْرِكَ وَرَاءَ الْبَعْلِيمِ. فَالآنَ أَرْسِلْ وَاجْمَعْ إِلَيَّ كُلَّ إِسْرَائِيلَ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ وَأَنْبِيَاءَ الْبَعْلِ أَرْبَعَ الْمِئَةِ وَالْخَمْسِينَ، وَأَنْبِيَاءَ السَّوَارِي أَرْبَعَ الْمِئَةِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ عَلَى مَائِدَةِ إِيزَابَلَ." فَأَرْسَلَ أَخْآبُ إِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَجَمَعَ الأَنْبِيَاءَ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ. فَتَقَدَّمَ إِيلِيَّا إِلَى جَمِيعِ الشَّعْبِ وَقَالَ: "حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ؟ إِنْ كَانَ الرَّبُّ هُوَ اللَّهَ فَاتَّبِعُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْلُ فَاتَّبِعُوهُ." فَلَمْ يُجِبْهُ الشَّعْبُ بِكَلِمَةٍ. ثُمَّ قَالَ إِيلِيَّا لِلشَّعْبِ: "أَنَا بَقِيتُ نَبِيّاً لِلرَّبِّ وَحْدِي، وَأَنْبِيَاءُ الْبَعْلِ أَرْبَعُ مِئَةٍ وَخَمْسُونَ رَجُلاً. فَلْيُعْطُونَا ثَوْرَيْنِ، فَيَخْتَارُوا لأَنْفُسِهِمْ ثَوْراً وَاحِداً وَيُقَطِّعُوهُ وَيَضَعُوهُ عَلَى الْحَطَبِ، وَلَكِنْ لاَ يَضَعُوا نَاراً. وَأَنَا أُقَرِّبُ الثَّوْرَ الآخَرَ وَأَجْعَلُهُ عَلَى الْحَطَبِ، وَلَكِنْ لاَ أَضَعُ نَاراً. ثُمَّ تَدْعُونَ بِاسْمِ آلِهَتِكُمْ وَأَنَا أَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ. وَالإِلَهُ الَّذِي يُجِيبُ بِنَارٍ فَهُوَ اللَّهُ." فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ: "الْكَلاَمُ حَسَنٌ."

فَقَالَ إِيلِيَّا لأَنْبِيَاءِ الْبَعْلِ: "اخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمْ ثَوْراً وَاحِداً وَقَرِّبُوا أَوَّلاً، لأَنَّكُمْ أَنْتُمُ الأَكْثَرُ، وَادْعُوا بِاسْمِ آلِهَتِكُمْ، وَلَكِنْ لاَ تَضَعُوا نَاراً." فَأَخَذُوا الثَّوْرَ الَّذِي أُعْطِيَ لَهُمْ وَقَرَّبُوهُ، وَدَعُوا بِاسْمِ الْبَعْلِ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الظُّهْرِ: "يَا بَعْلُ أَجِبْنَا." فَلَمْ يَكُنْ صَوْتٌ وَلاَ مُجِيبٌ. وَكَانُوا يَرْقُصُونَ حَوْلَ الْمَذْبَحِ الَّذِي عُمِلَ. وَعِنْدَ الظُّهْرِ سَخِرَ بِهِمْ إِيلِيَّا وَقَالَ: "ادْعُوا بِصَوْتٍ عَالٍ لأَنَّهُ إِلَهٌ! لَعَلَّهُ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ فِي خَلْوَةٍ أَوْ فِي سَفَرٍ، أَوْ لَعَلَّهُ نَائِمٌ فَيَتَنَبَّهَ!" فَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَالٍ، وَتَقَطَّعُوا حَسَبَ عَادَتِهِمْ بِالسُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ حَتَّى سَالَ مِنْهُمُ الدَّمُ. وَلَمَّا جَازَ الظُّهْرُ وَتَنَبَّأُوا إِلَى حِينِ إِصْعَادِ التَّقْدِمَةِ، وَلَمْ يَكُنْ صَوْتٌ وَلاَ مُجِيبٌ وَلاَ مُصْغٍ.

قَالَ إِيلِيَّا لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: "تَقَدَّمُوا إِلَيَّ." فَتَقَدَّمَ جَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَيْهِ. فَرَمَّمَ مَذْبَحَ الرَّبِّ الْمُنْهَدِمَ. ثُمَّ أَخَذَ إِيلِيَّا اثْنَيْ عَشَرَ حَجَراً، بِعَدَدِ أَسْبَاطِ بَنِي يَعْقُوبَ، الَّذِي كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيْهِ: "إِسْرَائِيلَ يَكُونُ اسْمُكَ،" وَبَنَى الْحِجَارَةَ مَذْبَحاً بِاسْمِ الرَّبِّ، وَعَمِلَ قَنَاةً حَوْلَ الْمَذْبَحِ تَسَعُ كَيْلَتَيْنِ مِنَ الْبِزْرِ. ثُمَّ رَتَّبَ الْحَطَبَ وَقَطَّعَ الثَّوْرَ وَوَضَعَهُ عَلَى الْحَطَبِ وَقَالَ: "امْلَأُوا أَرْبَعَ جَرَّاتٍ مَاءً وَصُبُّوا عَلَى الْمُحْرَقَةِ وَعَلَى الْحَطَبِ." ثُمَّ قَالَ: "ثَنُّوا" فَثَنَّوْا. وَقَالَ: "ثَلِّثُوا" فَثَلَّثُوا. فَجَرَى الْمَاءُ حَوْلَ الْمَذْبَحِ وَامْتَلَأَتِ الْقَنَاةُ أَيْضاً مَاءً. وَكَانَ عِنْدَ إِصْعَادِ التَّقْدِمَةِ أَنَّ إِيلِيَّا النَّبِيَّ تَقَدَّمَ وَقَالَ: "أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ، لِيُعْلَمِ الْيَوْمَ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ فِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنِّي أَنَا عَبْدُكَ، وَبِأَمْرِكَ قَدْ فَعَلْتُ كُلَّ هَذِهِ الأُمُورِ. اسْتَجِبْنِي يَا رَبُّ اسْتَجِبْنِي، لِيَعْلَمَ هَذَا الشَّعْبُ أَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ الإِلَهُ، وَأَنَّكَ أَنْتَ حَوَّلْتَ قُلُوبَهُمْ رُجُوعاً." فَسَقَطَتْ نَارُ الرَّبِّ وَأَكَلَتِ الْمُحْرَقَةَ وَالْحَطَبَ وَالْحِجَارَةَ وَالتُّرَابَ، وَلَحَسَتِ الْمِيَاهَ الَّتِي فِي الْقَنَاةِ. فَلَمَّا رَأَى جَمِيعُ الشَّعْبِ ذَلِكَ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَقَالُوا: "الرَّبُّ هُوَ اللَّهُ! الرَّبُّ هُوَ اللَّهُ!" فَقَالَ لَهُمْ إِيلِيَّا: "أَمْسِكُوا أَنْبِيَاءَ الْبَعْلِ وَلاَ يُفْلِتْ مِنْهُمْ رَجُل." فَأَمْسَكُوهُمْ، فَنَزَلَ بِهِمْ إِيلِيَّا إِلَى نَهْرِ قِيشُونَ وَذَبَحَهُمْ هُنَاكَ (الْمُلُوكِ الأَوَّلُ 18: 17-40).

يطل جبل الكرمل على البحر المتوسط جنوب خليج حيفا ويصل ارتفاعه إلى حوالي 1800 قدما. كانت توجد أماكن لعبادة البعل على هذا الجبل. لقد هزم إيليا النبي البعل في وطنه. كان البعل الإله الرئيسي للديانة الكنعانية الوثنية القديمة. شملت عبادات هذه الديانة الدعارة في طقوسها بسبب اعتقادها أن هذا يؤدي إلى خصوبة الأرض. فقد امتلك البعل الأرض وخصبها. إرتكب بنو إسرائيل خطية خلط عبادة الله الحي الحقيقي بعبادة البعل، الإله الكنعاني الوثني الزائف. لذلك منع الرب الإله المطر عن الأرض لمدة ثلاثة سنوات وستة أشهر (الْمُلُوكِ الأَوَّلُ 17: 1؛ 18: 18؛ لوقا 4: 25؛ يعقوب 5: 17).

أمر إيليا النبي بصب 12 جرة ماء حتى يتشبع حطب المذبح الحجري وتبتل الأرض وتمتلئ القناة حوله. ذلك حتى يزول أي شك بخصوص حقيقة وقوة المعجزة التي على وشك الحدوث. قام 450 من أنبياء البعل بطقوسهم من الصباح إلى المساء ولا مجيب. فإلههم المزيف لا يستطيع أن يسمع ويجيب. بينما استغرقت صلاة إيليا النبي أقل من دقيقة واحدة، واستجاب لها الإله الحي الحقيقي بمعجزة قوية رآها الجميع. فاقتنع وتاب وعاد بنو إسرائيل لإله آبائهم. بعد توبتهم وعودتهم إلى الإله الحقيقي، أرسل الله أمطارا غزيرة على أراضيهم الجافة المتعطشة (الْمُلُوكِ الأَوَّلُ 18: 41-46). في النهاية، أمر إيليا النبي بإعدام أنبياء البعل بسبب جرائمهم وشرورهم الكثيرة ضد البشر والله.

ج. تدمير جيش سنحاريب ملك أشور معجزة تدمير جيش سنحاريب ملك أشور؛ مَلاَكَ الرَّبِّ خَرَجَ وَضَرَبَ مِنْ جَيْشِ أَشُّورَ مِئَةَ أَلْفٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ أَلْفاً
(عودة إلى قائمة المحتويات)

قام سنحاريب (705-681 ق.م.) ملك الإمبراطورية الأشورية العظيمة بغزو مملكة يهوذا الجنوبية بجيش كبير في عهد الملك حزقيا (715-686 ق.م.). حاصر الجيش الأشوري مدينة القدس، عاصمة المملكة الجنوبية. لم يكن لدى الملك حزقيا قوات كافية للدفاع عن المدينة. جدف سنحاريب على الله الحي وأرسل رسلا إلى حزقيا قائلا: "هَكَذَا تُكَلِّمُونَ حَزَقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا قَائِلِينَ: لاَ يَخْدَعْكَ إِلَهُكَ الَّذِي أَنْتَ مُتَّكِلٌ عَلَيْهِ قَائِلاً: لاَ تُدْفَعُ أُورُشَلِيمُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. إِنَّكَ قَدْ سَمِعْتَ مَا فَعَلَ مُلُوكُ أَشُّورَ بِجَمِيعِ الأَرَاضِي لإِهْلاَكِهَا، وَهَلْ تَنْجُو أَنْتَ؟ هَلْ أَنْقَذَتْ آلِهَةُ الأُمَمِ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمْ آبَائِي جُوزَانَ وَحَارَانَ وَرَصْفَ وَبَنِي عَدْنَ الَّذِينَ فِي تَلاَسَّارَ؟ أَيْنَ مَلِكُ حَمَاةَ وَمَلِكُ أَرْفَادَ وَمَلِكُ مَدِينَةِ سَفْرَوَايِمَ وَهَيْنَعَ وَعِوَّا؟" (الْمُلُوكِ الثَّانِي 19: 10-13). توسل حزقيا إلى الرب بصلاة حارة. إستجاب الرب الإله وأمات 185000 من جنود جيش الأشوريين في ليلة واحدة في عام 701 قبل الميلاد.

فَأَخَذَ حَزَقِيَّا الرَّسَائِلَ مِنْ أَيْدِي الرُّسُلِ وَقَرَأَهَا، ثُمَّ صَعِدَ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ، وَنَشَرَهَا أَمَامَ الرَّبِّ. وَصَلَّى حَزَقِيَّا أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: "أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ، الْجَالِسُ فَوْقَ الْكَرُوبِيمَ، أَنْتَ هُوَ الإِلَهُ وَحْدَكَ لِكُلِّ مَمَالِكِ الأَرْضِ. أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. أَمِلْ يَا رَبُّ أُذُنَكَ وَاسْمَعْ. اِفْتَحْ يَا رَبُّ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ، وَاسْمَعْ كَلاَمَ سَنْحَارِيبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ لِيُعَيِّرَ اللَّهَ الْحَيَّ. حَقّاً يَا رَبُّ إِنَّ مُلُوكَ أَشُّورَ قَدْ خَرَّبُوا الأُمَمَ وَأَرَاضِيَهُمْ وَدَفَعُوا آلِهَتَهُمْ إِلَى النَّارِ. وَلأَنَّهُمْ لَيْسُوا آلِهَةً، بَلْ صَنْعَةُ أَيْدِي النَّاسِ: خَشَبٌ وَحَجَرٌ، فَأَبَادُوهُمْ. وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُنَا خَلِّصْنَا مِنْ يَدِهِ، فَتَعْلَمَ مَمَالِكُ الأَرْضِ كُلُّهَا أَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ الإِلَهُ وَحْدَكَ." فَأَرْسَلَ إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ إِلَى حَزَقِيَّا قَائِلاً: "هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي صَلَّيْتَ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ سَنْحَارِيبَ مَلِكِ أَشُّورَ: قَدْ سَمِعْتُ. لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنْ مَلِكِ أَشُّورَ: لاَ يَدْخُلُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ وَلاَ يَرْمِي هُنَاكَ سَهْماً وَلاَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا بِتُرْسٍ وَلاَ يُقِيمُ عَلَيْهَا مِتْرَسَةً. فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جَاءَ فِيهِ يَرْجِعُ، وَإِلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ لاَ يَدْخُلُ، يَقُولُ الرَّبُّ. وَأُحَامِي عَنْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ لِأُخَلِّصَهَا مِنْ أَجْلِ نَفْسِي وَمِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي."

وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ خَرَجَ وَضَرَبَ مِنْ جَيْشِ أَشُّورَ مِئَةَ أَلْفٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ أَلْفاً. وَلَمَّا بَكَّرُوا صَبَاحاً إِذَا هُمْ جَمِيعاً جُثَثٌ مَيِّتَةٌ. فَانْصَرَفَ سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ وَذَهَبَ رَاجِعاً وَأَقَامَ فِي نِينَوَى. وَفِيمَا هُوَ سَاجِدٌ فِي بَيْتِ نِسْرُوخَ إِلَهِهِ ضَرَبَهُ أَدْرَمَّلَكُ وَشَرَآصَرُ ابْنَاهُ بِالسَّيْفِ، وَنَجَوَا إِلَى أَرْضِ أَرَارَاطَ. وَمَلَكَ أَسَرْحَدُّونُ ابْنُهُ عِوَضاً عَنْهُ (الْمُلُوكِ الثَّانِي 19: 14-20، 32-37).

رغم أن الأشوريين عبدوا آلهة وثنية من الحجر، إستخدم الرب الإله الإمبراطورية الأشورية ليدين ممالك الهلال الخصيب بسبب خطاياهم وتعدياتهم الكثيرة. لم يكن سنحاريب (أحد الملوك الأشوريون المشهورون) إلا الأداة التي استخدمها الله لتقويم وتأديب الأمم المجاورة للأشوريين. إذ قد أخبرنا الله على لسان نبيه إشعياء أنه قد سبق ورتب انتصارات الجيوش الأشورية: "أَلَمْ تَسْمَعْ؟ مُنْذُ الْبَعِيدِ صَنَعْتُهُ. مُنْذُ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ صَوَّرْتُهُ. الآنَ أَتَيْتُ بِهِ. فَتَكُونُ لِتَخْرِيبِ مُدُنٍ مُحَصَّنَةٍ حَتَّى تَصِيرَ رَوَابِيَ خَرِبَةً" (إِشَعْيَاءَ 37: 26-29).

لم يعلم حزقيا الملك كيف سيحقق الله مواعيده وتنبآت نبيه إشعياء. لكنه وثق تماما بالله وآمن بكلمته على لسان إشعياء النبي. قوى هذا إيمان حزقيا الذي واصل الصلاة إنتظارا لتحقيق وإتمام مشيئة الرب ومواعيده.

تحققت النبوة الخاصة بانسحاب الجيش الأشوري من المناطق المحيطة بأورشليم (القدس) سريعا. لكن تحققت النبوة الخاصة بمقتل سنحاريب الملك الأشوري (إشعياء 37: 7) بعد حوالي عشرين عاما في سنة 681 ق.م. عندما قتله بحد السيف اثنين من أبنائه في معبد إلهه الوثني. أتم هذا تحقيق النبوات الإلهية على فم إشعياء النبي بشأن الإمبراطورية الأشورية. حقا، تتحقق دائما مشيئة الله في الوقت الذي يعينه ويختاره (بُطْرُسَ الثَّانِيَةُ 3: 4-9).

في النهاية، أدان الله الإمبراطورية الأشورية لقسوتها ودمويتها وتعدياتها الكثيرة. فقد سقطت في عام 612 ق.م. بعد تدمير عاصمتها نينوى كما تنبأ ناحوم النبي.

د. إنقاذ ثلاثة رجال يهود مُؤمنين من أتون النار
(عودة إلى قائمة المحتويات)

صنع نبوخذنصّر (605-562 ق.م.)، أعظم ملك في إمبراطورية بابل، تمثالا من ذهب وأمر أن تعبده كافة شعوب الإمبراطورية: "عِنْدَمَا تَسْمَعُونَ صَوْتَ الْقَرْنِ وَالنَّايِ وَالْعُودِ وَالرَّبَابِ وَالسِّنْطِيرِ وَالْمِزْمَارِ وَكُلِّ أَنْوَاعِ الْعَزْفِ أَنْ تَخِرُّوا وَتَسْجُدُوا لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبَهُ نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ. وَمَنْ لاَ يَخِرُّ وَيَسْجُدُ فَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ يُلْقَى فِي وَسَطِ أَتُونِ نَارٍ مُتَّقِدَةٍ" (دَانِيآلَ 3: 5-6). رفض ثلاث رجال يهود مؤمنين أن يتركوا الله الحي لعبادة تمثال. فأمر الملك بإلقائهم في أتون النار المتقدة. أنقذهم الله الحي من لهيب النيران المتقدة أحياءا بدون أي ضرر.

حِينَئِذٍ أَمَرَ نَبُوخَذْنَصَّرُ بِغَضَبٍ وَغَيْظٍ بِإِحْضَارِ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ. فَأَتُوا بِهَؤُلاَءِ الرِّجَالِ قُدَّامَ الْمَلِكِ. فَسأَلَهُمْ نَبُوخَذْنَصَّرُ: "تَعَمُّداً يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو لاَ تَعْبُدُونَ آلِهَتِي وَلاَ تَسْجُدُونَ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتُ؟ فَإِنْ كُنْتُمُ الآنَ مُسْتَعِدِّينَ عِنْدَمَا تَسْمَعُونَ صَوْتَ الْقَرْنِ وَالنَّايِ وَالْعُودِ وَالرَّبَابِ وَالسِّنْطِيرِ وَالْمِزْمَارِ وَكُلِّ أَنْوَاعِ الْعَزْفِ إِلَى أَنْ تَخِرُّوا وَتَسْجُدُوا لِلتِّمْثَالِ الَّذِي عَمِلْتُهُ. وَإِنْ لَمْ تَسْجُدُوا فَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ تُلْقَوْنَ فِي وَسَطِ أَتُونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ. وَمَنْ هُوَ الإِلَهُ الَّذِي يُنْقِذُكُمْ مِنْ يَدَيَّ؟" فَأَجَابَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو: "يَا نَبُوخَذْنَصَّرُ لاَ يَلْزَمُنَا أَنْ نُجِيبَكَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ. هُوَذَا يُوجَدُ إِلَهُنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ أَتُونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ وَأَنْ يُنْقِذَنَا مِنْ يَدِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. وَإِلاَّ فَلِْيَكُنْ مَعْلُوماً لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَنَّنَا لاَ نَعْبُدُ آلِهَتَكَ وَلاَ نَسْجُدُ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَهُ."

حِينَئِذٍ امْتَلَأَ نَبُوخَذْنَصَّرُ غَيْظاً وَتَغَيَّرَ مَنْظَرُ وَجْهِهِ عَلَى شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُو وَأَمَرَ بِأَنْ يَحْمُوا الأَتُونَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ مُعْتَاداً أَنْ يُحْمَى. وَأَمَرَ جَبَابِرَةَ الْقُوَّةِ فِي جَيْشِهِ بِأَنْ يُوثِقُوا شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ وَيُلْقُوهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ. ثُمَّ أُوثِقَ هَؤُلاَءِ الرِّجَالُ فِي سَرَاوِيلِهِمْ وَأَقْمِصَتِهِمْ وَأَرْدِيَتِهِمْ وَلِبَاسِهِمْ وَأُلْقُوا فِي وَسَطِ أَتُونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ. وَمِنْ حَيْثُ إِنَّ كَلِمَةَ الْمَلِكِ شَدِيدَةٌ وَالأَتُونَ قَدْ حَمِيَ جِدّاً قَتَلَ لَهِيبُ النَّارِ الرِّجَالَ الَّذِينَ رَفَعُوا شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ. وَهَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ الرِّجَالِ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو سَقَطُوا مُوثَقِينَ فِي وَسَطِ أَتُونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ. حِينَئِذٍ تَحَيَّرَ نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ وَقَامَ مُسْرِعاً وَسَأَلَ مُشِيرِيهِ: "أَلَمْ نُلْقِ ثَلاَثَةَ رِجَالٍ مُوثَقِينَ فِي وَسَطِ النَّارِ؟" فَأَجَابُوا: "صَحِيحٌ أَيُّهَا الْمَلِكُ." فَقَالَ: "هَا أَنَا نَاظِرٌ أَرْبَعَةَ رِجَالٍ مَحْلُولِينَ يَتَمَشُّونَ فِي وَسَطِ النَّارِ وَمَا بِهِمْ ضَرَرٌ وَمَنْظَرُ الرَّابِعِ شَبِيهٌ بِـابْنِ الآلِهَةِ." ثُمَّ اقْتَرَبَ نَبُوخَذْنَصَّرُ إِلَى بَابِ أَتُونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ وَنَادَى: "يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو يَا عَبِيدَ اللَّهِ الْعَلِيِّ اخْرُجُوا وَتَعَالُوا." فَخَرَجَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو مِنْ وَسَطِ النَّارِ. فَاجْتَمَعَتِ الْمَرَازِبَةُ وَالشِّحَنُ وَالْوُلاَةُ وَمُشِيرُو الْمَلِكِ وَرَأُوا هَؤُلاَءِ الرِّجَالَ الَّذِينَ لَمْ تَكُنْ لِلنَّارِ قُوَّةٌ عَلَى أَجْسَامِهِمْ وَشَعْرَةٌ مِنْ رُؤُوسِهِمْ لَمْ تَحْتَرِقْ وَسَرَاوِيلُهُمْ لَمْ تَتَغَيَّرْ وَرَائِحَةُ النَّارِ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ نَبُوخَذْنَصَّرُ: "تَبَارَكَ إِلَهُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُو الَّذِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَأَنْقَذَ عَبِيدَهُ الَّذِينَ اتَّكَلُوا عَلَيْهِ وَغَيَّرُوا كَلِمَةَ الْمَلِكِ وَأَسْلَمُوا أَجْسَادَهُمْ لِكَيْ لاَ يَعْبُدُوا أَوْ يَسْجُدُوا لِإِلَهٍ غَيْرِ إِلَهِهِم. فَمِنِّي قَدْ صَدَرَ أَمْرٌ بِأَنَّ كُلَّ شَعْبٍ وَأُمَّةٍ وَلِسَانٍ يَتَكَلَّمُونَ بِـالسُّوءِ عَلَى إِلَهِ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُو فَإِنَّهُمْ يُصَيَّرُونَ إِرْباً إِرْباً وَتُجْعَلُ بُيُوتُهُمْ مَزْبَلَةً إِذْ لَيْسَ إِلَهٌ آخَرُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَ هَكَذَا." حِينَئِذٍ قَدَّمَ الْمَلِكُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ فِي وِلاَيَةِ بَابِلَْ" (دَانِيآلَ 3: 13-30).

أحب هؤلاء الرجال الثلاثة الرب أكثر من الحياة نفسها. وذلك بحسب الوصية المقدسة القائلة: "فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ" (التَّثْنِيَةِ 6: 5). فلقد كان الرب مركز ومحور حياتهم. كان أهم لهم من شهرة، و مركز اجتماعي، وسلامتهم الشخصية. كانوا مستعدين أن يضحوا بحياتهم وتحترق أجسادهم في لهيب أتون النار حتى لا يخونوا الرب ولا يتركونه (أَعْمَالِ الرُّسُلِ 20: 24).

كانوا يعلمون أن نَبُوخَذْنَصَّرُ هو الملك وأطاعوه في الشؤون المدنية: "لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين الْفَائِقَةِ...،" "فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِبَايَةُ. وَالْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ الْخَوْفُ. وَالإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ" (رُومِيَةَ 13: 1، 7). رغم ذلك، كان ولاءهم الأقوى لملك الملوك ورب الأرباب—الإله الحقيقي الحي القدير. إذا حدث تناقض بين وصايا الله وقرارات السلطة المدنية، "...فيَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ؛" "...أَعْطُوا إِذاً مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلَّهِ لِلَّهِ" (أَعْمَالِ الرُّسُلِ 5: 29؛ مَتَّى 22: 21).

خرج هؤلاء الرجال من أتون النار المتقدة وقد انحلت قيودهم عندما طلب الملك منهم ذلك. لم تؤذيهم النار في شيء. فلم تحترق ملابسهم وأجسادهم. فقد أنقذهم الإله الحي الحقيقي القادر على كل شيء الذي أحبوه وعبدوه من لهيب الأتون المتقد.

عندما رأى الملك نَبُوخَذْنَصَّرُ قوة الإله الحي القدير، اعترف به ومجده. ثم أصدر أمرا بإعدام أي شخص يجدف على إله بني إسرائيل وتدمير بيته. ترينا هذه المعجزة قوة وسلطان الإله الحي الحقيقي على إمبراطورية بابل في أوج مجدها بعد سبي بني إسرائيل إلى بابل.

( 2 ) العهد الجديد (ألإنجيل، إلخ): بشارة ملاك الله الحي للسيدة العذراء مريم والدة المسيح بالحبل المقدس
(عودة إلى قائمة المحتويات)

أ. ميلاد السيد المسيح من عذراء

تم ميلاد السيد المسيح بمعجزة عظيمة جدا، لأنه وُلد من عذراء لم تعرف رجلا. لا يوجد أب بشري طبيعي للمسيح. هذه معجزة فريدة من نوعها في تاريخ البشرية. بشر ملاك الله الحي السيدة العذراء مريم والدته بالحبل المقدس قائلا:

وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ: "سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ." فَلَمَّا رَأَتْهُ اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ وَفَكَّرَتْ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ التَّحِيَّةُ! فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: "لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هَذَا يَكُونُ عَظِيماً وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ." فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: "كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟" فَأَجَابَ الْمَلاَكُ: "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضاً حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا وَهَذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِراً لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ." فَقَالَتْ مَرْيَمُ: "هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ." فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلاَكُ (لُوقَا 1: 26-38).

بالعهد القديم للكتاب المقدس (كتب الأنبياء) نبوات خاصة بميلاد السيد المسيح وطفولته (إِشَعْيَاءَ 7: 14؛ 9: 6-7؛ مِيخَا 5: 2؛ هُوشَع 11: 1؛ إِرْمِيَا 31: 15). سبقت هذه النبوات مجيء السيد المسيح ببضعة قرون من الزمان (600-700 سنة ق.م). تحققت هذه النبوات في ميلاد وطفولة السيد المسيح. كانت عملية ميلاد السيد المسيح بكاملها مبادرة الله وعمله المقدس. فقد جلبت قوة الله الحي القدير العاملة بروحه القدوس حبل العذراء بطريقة إعجازية غير طبيعية بدون تدخل رجل. "أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هَكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (مَتَّى 1: 18، 20-21؛ لُوقَا 1: 35).

السيد المسيح هو الابن الوحيد لله ألآب__بنوة حقيقية روحية فريدة من نوعها. السيد المسيح هو "... عِمَّانُوئِيل--ﭐلَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا" (مَتَّى 1: 23). في تجسده، أخلى ابن الله الأزلي ذاته ليأخذ صورة إنسان (فِيلِبِّي 2: 5-8). "يشوع" هو ألأصل العبري لكلمة "يسوع." معنى كلمة "يشوع" في اللغة العبرية "الله يخلص:" "... وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ" (مَتَّى 1: 21؛ لُوقَا 1: 31). معنى كلمة "المسيح" "الممسوح" (بالروح القدس لله الحي).

ميلاد السيد المسيح من العذراء يؤكد ويوطد لنا حقيقتين على درجة كبيرة من الأهمية. الحقيقة الأولى: أن للسيد المسيح طبيعة بشرية كاملة أخذها من والدته السيدة العذراء مريم، التي أعطته ميلاده البشري. الحقيقة الثانية: أن للسيد المسيح أيضا طبيعة إلهية كاملة لأن ميلاده تم بطريقة إعجازية فريدة من نوعها في تاريخ البشرية جمعاء "... عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ ..." (تِيمُوثَاوُسَ الأُولَى 3: 16). إتحدت الطبيعتين في شخص السيد المسيح بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير.

قبلت القديسة العذراء مريم بإرادتها الحرة مشيئة الله لها بخصوص حبلها المقدس الفريد من نوعه (لُوقَا 1: 38)، بلا خوف من عار قد يسببه ذلك لأنها لم تكن قد تزوجت بعد. كانت مسكنا لجنين السيد المسيح لمدة تسعة أشهر. يشير هذا إلى أن السيد المسيح هو المسكن الزمني والأبدي للمؤمن به الذي يحيى في حياة شركة معه. السيد المسيح هو "... حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ" (يُوحَنَّا 1: 29). وُلد السيد المسيح، حمل الله، في مذود للمواشي (لُوقَا 2: 7). ولقد أعلنت الملائكة ميلاده أولا "... لرُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ" (لُوقَا 2: 8). يشير كل هذا إلى تقدمة السيد المسيح لنفسه على الصليب ليكفر عن خطايا المؤمنين به.

حمت ملائكة الله الحي السيد المسيح في ميلاده وفي طفولته من يوسف الذي انتابه الشك في عفة القديسة العذراء مريم (مَتَّى 1: 19-21)، ومن هِيرُودُسَ الملك الذي أراد قتل الطفل يسوع (مَتَّى 2: 12-13)، ومن أَرْخِيلاَوُسَ الملك (مَتَّى 2: 22).

ب. المعجزات الكثيرة للسيد المسيح
(عودة إلى قائمة المحتويات)

فعل السيد المسيح أثناء عمله التبشيري على الأرض الذي إستغرق حوالي ثلاث سنوات معجزات كثيرة، بعضها فريد من نوعه في تاريخ البشرية—معجزات لم يفعلها أحد من قبله. لقد فعل السيد المسيح معجزات أكثر جدا من معجزات أي نبي في تاريخ البشرية جمعاء. ما استخدم يسوع قوته الإلهية لايذاء أو لتدمير أي شخص، أو لمنفعته الشخصية. أعماله لم تؤدي إلى عجائب بلا معنى عديمة الفائدة. كانت أقوى معجزة فعلها هي إقامة رجل يدعى لعازر من الموت بعد أربعة أيام من موته. كانت جثته قد بدأت تتعفن في قبره (يوحنا 11: 1-44). من المعجزات الأخرى القوية معجزات خلق مادة جديدة. أطعم يسوع آلافا من الجياع بتكثير قليل من الخبز والأسماك، فأكلوا وشبعوا ثم جمعوا كثيرا من الفضلات في سلال (لوقا 9: 11-17؛ متّى 15: 32-39). خلق يسوع مقلتي عينين جديدتين لرجل مولود أعمى بدون مقل العيون (يوحنا 9). بالإضافة إلى ذلك، فعل يسوع كثيرا من معجزات شفاء أمراض وإخراج شياطين ليحرر الناس من قوى الظلام الشريرة.

فعل السيد المسيح معجزاته علنا حتى يراها الناس ويؤمنوا. يخبرنا الإنجيل أن السيد المسيح فعل أكثر من 900-1000 معجزة. شاهد تلك المعجزات حوالي 15,000 شخص. بالإضافة إلى هذا، حوالي 86,000 من أصدقاء وأقارب المرضى الذين شفاهم السيد المسيح كان في إمكانهم التأكيد أن ألئك الأشخاص كانوا مرضى ثم أصبحوا أصحاءا. يعني هذا أن حوالي واحد من كل عشرين شخص ممن عاشوا في فلسطين في ذلك الوقت إما رأى معجزة، أو عرف مريضا قد حصل على الشفاء. يقدم لنا الإنجيل فقط جزءا صغيرا من معجزات السيد المسيح يمثل قواته المختلفة: "وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ" (يُوحَنَّا 20: 30، 31؛ 21: 25).

ج. معجزات رسل السيد المسيح
(عودة إلى قائمة المحتويات)

قام رسل السيد المسيح بعمل معجزات كثيرة باسمه في القرن الأول من الميلاد حتى يؤمن الناس بإنجيل المسيح (أَعْمَالِ الرُّسُلِ 2: 43؛ 8: 7). أعطاهم السيد المسيح قوة عمل المعجزات (مَرْقُسَ 3: 15؛ 16: 17). شفى القديس بطرس الرسول المرضى (أعمال الرسل 5: 15)، وأقام امرأة مؤمنة تدعى طابيثا من الموت (أعمال الرسل 9: 36-43). شفى الرسولين بطرس ويوحنا رجلا أعرجا (أعمال الرسل 3: 2-11). تم الإفراج عن بطرس الرسول ورسل آخرين من السجن بمعجزة (أعمال الرسل 5: 19-23؛ 12: 6-11؛ 16: 25-30). ضرب بولس الرسول ساحرا يدعى باريَشوع بالعمى (أعمال الرسل 13: 6-12)؛ شفى الرجل المشلول (أعمال الرسل 14: 8-10)؛ أخرج أرواحا شريرة وشفى المرضى (أعمال الرسل 16: 18؛ 19: 11-12؛ 28: 8-9)؛ وأقام من الموت شابا يدعى أفتيخوس (أعمال الرسل 20: 9-12). ذكّر القديس بولس الرسول المؤمنين بمعجزاته في بعض رسائله (رُومِيَةَ 15: 18-19؛ كُورِنْثُوس الثَّانِيَةُ 12: 12).

( 3 ) معجزات العصر المسيحي التالي للعصر الرسولي

(من القرن الثاني الميلادي حتى الآن)
(عودة إلى قائمة المحتويات)

إستمر حدوث المعجزات الإلهية في تاريخ الكنيسة بعد العصر الرسولي. مازالت معجزات شفاء وإخراج شياطين والحديث بألسنة والتنبؤ تحدث بكثرة بإسم السيد المسيح حتى الآن. كما تحدث أنواع أخرى من المعجزات من وقت لآخر على حسب احتياجات الوضع البشري. نتحدث هنا باختصار عن ثلاثة معجزات عظيمة—حدثت إثنتان منهما في مصر والثالثة في القدس.

أ. نقل جبل المقطم

قصد الرب الإله في طريقة خلاصه للبشرية ألا يترك نفسه بدون شاهد في الشرق الأوسط. إختار أن يكون هذا الشاهد في مصر حيث تعيش أكبر أقليه مسيحية في الشرق الأوسط اليوم: "فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخُمِهَا" (إِشَعْيَاءَ 19: 19)؛ " يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلاً: مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ" (إِشَعْيَاءَ 19: 25 أ). كل ألف سنة، يصدر السيد المسيح تصريحه وقوله في مصر ليؤكد هذه النبوءة. يبدو أنه يعلن جهارا أن شاهده في مصر سيبقى الألف سنة التالية، أو حتى مجيئه الثاني إذا حدث قبل ذلك.

تميزت أول ألف سنة بعد الميلاد بسلسلة من الإضطادات الرومانية والبيظنتية والإسلامية للكنيسة القبطية في مصر. حدثت هذه المعجزة في نهاية الألف سنة الأولى للمسيحية في القرن العاشر الميلادي في عهد الخليفة الفاطمي المُعز لدين الله (952-975) والبطريرك القبطي أبرآم السرياني (البطريرك الثاني والستين—975-978). كان المسئول على جباية الخراج رجل يدعى يعقوب بن كلس الذي تحوّل من اليهودية إلى الإسلام حتى يحصل على منصب عالي في الحكومة. كان يعقوب يمقت المسيحية والمسيحيين. قد حاول أن يثبت أن المسيحية ديانة كاذبة وباطلة. لذلك طلب من الخليفة أن يجادل ممثلي الكنيسة القبطية في حضرته. أفحمه ودحض حججه الأسقف القبطي ساويرس ابن المقفع وتغلب عليه في المجادلة. غضب يعقوب لهذه النتيجة وخرج من المجادلة مُصرا أن يفعل كل ما في وسعه ليمحو المسيحية من مصر. ليحقق هذا الهدف، ذكر للخليفة المسلم أن السيد المسيح قد علم تلاميذه قائلا: "فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهَذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ" (مَتَّى 17: 20). أشار على الخليفة أن يطلب من المسيحيين المصريين أن يثبتوا صحة ديانتهم بتحريك جبل المقطم العظيم المطل على القاهرة. إستدعى الخليفة البطريرك القبطي أبرآم السرياني وأعطاه ثلاثة إختيارات: إما أن يحرك الجبل، أو يتحول كل الشعب القبطي إلى الإسلام، أو يتم الإستيلاء على جميع ممتلكات الشعب القيطي ونفيهم. طلب البطريرك من الخليفة أن يمهله ثلاثة أيام ليتدبر الأمر. أمر البطريرك كل مسيحي مصر بالصلاة والصوم لمدة ثلاثة أيام حتى يتدخل الرب الإله وينقذ كنيسته وشعبه من الدمار. أما هو فانطلق إلى كنيسة السيدة العذراء مريم المعروفة بالمعلقة بمصر القديمة (مازالت قائمة حتى الآن) حيث إنعكف على الصوم والصلاة حتى شاهد في رؤية السيدة العذراء في صباح اليوم الثالث. أعطته إرشادات مفصلة ليتصل برجل سيفعل الرب معجزة تحريك الجبل على يديه. أطاع الإرشادات فوجد الرجل المطلوب. كان رجلا دبّاغا فقيرا في ملابس رثة بعين واحدة يدعى سمعان الخراز. خلع عينه الأخرى عندما حاولت إمرأة أن تغريه إذ قد فهم تعليم السيد المسيح في هذا الشأن بطريقة حرفية (مَتَّى 5: 29). وقد إعتاد كل صباح باكر أن يملأ قربته بالماء ويقوم بتوزيعه على المقعدين من الكهول والمرضى الذين لا يستطيعون الحصول على الماء لأنفسهم. أخبر سمعان البطريرك بما ينبغي عمله.

أخبر البطريرك الخليفة أن الرب سيحرك الجبل. أخذ الخليفة عظماءه وجنوده إلى الجبل، كما ذهب البطريرك وأساقفته وسمعان الخراز وكهنة ومجموعة كبيرة من الشعب القبطي إلى سفح الجبل. بعد تقديم القداس الإلهي، سجد البطريرك والشعب ثم وقفوا قائلين "كيرياليصون" (يا رب ارحم) فحدثت زلزلة وضوضاء إذ بدأت صخور قاعدة الجبل تتشقق وتحرك الجبل وارتفع عند قيامهم من سجودهم حتى ظهرت الشمس من تحته. وكان الجبل ينخفض ويرتفع متابعا حركتهم كلما سجدوا ووقفوا بعد سجودهم حتى أكملوا ثلاثة مرات. ففزع الخليفة وحاشيته وجنوده فأسرع إلى البطريرك يلتمس منه أن يكف لأنه الآن يعلم أن الإيمان المسيحي إيمان صادق وأن المسيح حي. نتيجة لهذه المعجزة العظيمة بقيت المسيحية في مصر ولم تندثر وتحسّنت أحوال المسيحيين في مصر في عهد الخليفة المُعز. تم بناء كنائس جديدة وإصلاح كنائس مخرّبة. فضّل المعز المسيحيين لدرجة أنه أمر بهدم مسجد بُنِيَ مواجها كنيسة الأنبا شنودة في مصر القديمة. توجد أدلة تاريخية هامة تشير إلى أن الخليفة المعز آمن بالمسيحية وتعمّد وتنازل عن عرشه لإبنه العزيز بالله وقضى أواخر سني حياته في دير في الصحراء. تزوج إبنه العزيز إمرأة مسيحية؛ فضل المسيحيين في مناصب الحكومة الرفيعة؛ سمح ببناء كنائس جديدة وبإصلاح الكنائس القديمة؛ وخفف حمل الضرائب الثقيل عن كاهل المسيحيين.

ب. تجلي القديسة العذراء مريم
(عودة إلى قائمة المحتويات)

في نهاية القرن العشرين، بعد نقل جبل المقطم بحوالي ألف سنة، أصدر الرب إعلانه في مصر للمرة الثانية بدون تأخير.

بدأت القديسة العذراء مريم تتجلّى في وفوق قباب كنيستها بالزيتون (أحد ضواحي مدينة القاهرة) في 2 أبريل 1968. إستمر ظهور القديسة العذراء مريم بطريقة متقطعة لمدة أكثر من عام في عهد البطريرك القديس كيرلس السادس، المائة والسادس عشر من باباوات الكنيسة القبطية. وكان تجليها يطول في بعض الليالي إلى بضع ساعات دون توقف أمام آلاف من الناس. وكان يصاحب بعض تجليات القديسة العذراء مريم ظهور كائنات روحانية مضيئة تشبه الحمام فوق رأسها وأضواء تغمر القبة الوسطى للكنيسة وسحاب نوراني فوق قباب الكنيسة.

أخذ الناس الذين شاهدوها صورا فوتغرافية لها. رآها أكثر من مليون شخص من أقباط ومسلمين وسواح أوربيين وأمريكيين. كما شاهدها الرئيس المصري جمال عبد الناصر وزوجته وبناته. تمت على يديها معجزات شفاء كثيرة لكثير من الناس بنعمة جزيلة. لم يحدث في التاريخ أن رآى تجليّ القديسة العذراء مريم هذا العدد الكبير من الناس لهذه المدة الطويلة. مرة ثانية بقيت المسيحية في مصر، وأصدر السيد المسيح إعلانه بوضوح وجلاء أن شاهده في مصر سيبقى ألف سنة أخرى، أو حتى مجيئه الثاني إذا حدث قبل ذلك.

هذا الموقع يحتوي على صور فوتغرافية لتجلّي القديسة العذراء مريم.

ج. النور المقدس في عيد القيامة
(عودة إلى قائمة المحتويات)

كثيرا ما تكون أعمال الرب وتجلي مجده مصحوبة بظهور نور ونار. دعي الرب موسى للنبوة من العليقة المشتعلة التي لم تحترق بالنار (خروج 3: 2-4). عندما نزل الرب على جبل سيناء ليعطي الشريعة لموسى النبي، "كَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ يُدَخِّنُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ وَصَعِدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ الأَتُونِ وَارْتَجَفَ كُلُّ الْجَبَلِ جِدّاً" (الْخُرُوجِ19: 18)؛ "وَكَانَ مَنْظَرُ مَجْدِ الرَّبِّ كَنَارٍ آكِلَةٍ عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ أَمَامَ عُيُونِ بَنِي إِسْرَائِيلَ" (الْخُرُوجِ 24: 17)؛ "وَلَمَّا نَزَلَ مُوسَى مِنْ جَبَلِ سِينَاءَ وَلَوْحَا الشَّهَادَةِ فِي يَدِهِ عِنْدَ نُزُولِهِ مِنَ الْجَبَلِ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّ جِلْدَ وَجْهِهِ صَارَ يَلْمَعُ مِنْ كَلاَمِ الرَّبِّ مَعَهُ. فَنَظَرَ هَارُونُ وَجَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى وَإِذَا جِلْدُ وَجْهِهِ يَلْمَعُ فَخَافُوا أَنْ يَقْتَرِبُوا إِلَيْهِ" (الْخُرُوجِ 34: 29-30). قاد الرب بني إسرائيل في برية سيناء بأعمدة سحاب ونار: "وَكَانَ الرَّبُّ يَسِيرُ أَمَامَهُمْ نَهَاراً فِي عَمُودِ سَحَابٍ لِيَهْدِيَهُمْ فِي الطَّرِيقِ وَلَيْلاً فِي عَمُودِ نَارٍ لِيُضِيءَ لَهُمْ - لِكَيْ يَمْشُوا نَهَاراً وَلَيْلاً" (الْخُرُوجِ 13: 21). عند تكريس معبد سليمان بالقدس تجلى مجد الرب في سحابة مضيئة ملأت المعبد (الْمُلُوكِ الأَوَّلُ 8: 10-11؛ حِزْقِيَالَ 10: 4). قدم إيليا النبي ذبيحة (ثورا) إلى الرب على جبل الكرمل حتى يقنع بني إسرائيل بأن الرب هو الإله الحقيقي فيتركوا عبادة الآلهة الوثنية، "فَسَقَطَتْ نَارُ الرَّبِّ وَأَكَلَتِ الْمُحْرَقَةَ وَالْحَطَبَ وَالْحِجَارَةَ وَالتُّرَابَ، وَلَحَسَتِ الْمِيَاهَ الَّتِي فِي الْقَنَاةِ" (الْمُلُوكِ الأَوَّلُ 18: 38). عندما تجلى السيد المسيح أمام بعض تلاميذه على جبل طابور، "وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي صَارَتْ هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً وَلِبَاسُهُ مُبْيَضّاً لاَمِعاً" (لُوقَا 9: 29). عندما ذهبت النسوة بالحنوط إلى قبر السيد المسيح بعد قيامته من بين الأموات، رأين "...رَجُلينِ (ملاكين) واَقَفَين بِهِنَّ بِثِيَابٍ بَرَّاقَةٍ" (لُوقَا 24: 4).

في عصر السبت السابق لأحد عيد القيامة الأرثوذكسي، يدخل وفد من السلطة الحاكمة الغير مسيحية (كانت إسلامية ثم الآن يهودية) قبر السيد المسيح في كنيسة صغيرة داخل كنيسة القيامة ليفتشه للتأكد من عدم وجود أي مصدر أو وسيلة لإشعال نار. ثم يختم بابه بالشمع. يذكرنا هذا بما فعلته السلطات الرومانية الحاكمة بعد دفن السيد المسيح. ختمت قبره وأرسلت جنودا لحراسته "...لِئَلَّا يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى!" (مَتَّى 27: 64). ثم يتم إطفاء كل الأضواء في الكنيسة. يدخل البطريرك الأرثوذكسي للقدس كنيسة القيامة في موكب كبير من المؤمنين. يطوف موكب البطريرك ثلاثة مرات حول الكنيسة الصغيرة التي تحتوي على قبر السيد المسيح. ثم يدخل البطريرك قبر السيد المسيح حاملا في يده شمعتين منطفئتين. يركع أمام الحجر حيث وضعوا جسد السيد المسيح بعد موته على الصليب، ويصلي بحرارة لبضعة دقائق. فينبثق النور ألسمائي المقدس من الحجر. هو نور غير محدد أزرق قد يتوهج بألوان مختلفة. عند ظهوره في البداية لا يحرق. يشعل شمعتي البطريرك. ثم يشعل المؤمنون الحاضرون شموعهم من شمعتي البطريرك. كما أن النور المقدس يشعل مباشرة قناديل الزيت المعلقة في أماكن مختلفة في الكنيسة ليست في متناول يد المؤمنين. كما قد يطوف النور المقدس بأرجاء الكنيسة. يحصل البعض على النور المقدس مباشرة حيث يتقد شمعهم تلقائيا، فيجددهم هذا الاختبار روحيا.

تحدث معجزة النور المقدس بانتظام بنفس الطريقة وفي نفس المكان كل سنة لأكثر من ستة عشر قرنا منذ القرن الرابع الميلادي. يدل هذا الانتظام على أمانة السيد المسيح تجاهنا. إذ أنه يعطي النور المقدس كل سنة على الرغم من ضعفاتنا وأخطائنا.

مازالت نار القيامة المقدسة تضيء في سبت عيد القيامة الأرثوذكسي حتى يومنا هذا معلنة أقوى معجزة في تاريخ البشرية: معجزة قيامة يسوع المسيح، رب المجد، من الأموات في اليوم الثالث منتصرا على الموت، ليس فقط موته لكن أيضا موت كل المؤمنين به الذين يعيشون في حياة شركة معه. إنها تجعل قيامته ملموسة وقريبة منا. نار القيامة القدسة هي هدية محبة المسيح الفريدة للكنيسة الأرثوذكسية. شمعة القيامة تمثل شخص المسيح؛ ووهجها يمثل قيامته من الأموات لينير العالم: "ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً قَائِلاً: أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ" (يُوحَنَّا 8: 12). إعطاء النور للمؤمنين يرمز إلى تضحية المسيح بحياته لأجل المؤمنين به.

في عهد البطريرك القبطي بطرس الجاولي (1810-1852)، إدعى البعض أمام إبراهيم باشا (إبن محمد علي باشا، الحاكم التركي) بأنه لا صحة لما يدّعي به المسيحيون بظهور النور من قبر السيد المسيح سبت عيد القيامة وأن كل ذلك زيف وخداع. طلب إبراهيم باشا من البطريرك بطرس أن يثبت له صدق ظهور نور القيامة. سافر البطريرك القبطي إلى القدس واشترك مع بطريرك القدس الأرثوذكسي في الصلوات في قبر السيد المسيح بكنيسة القيامة في سبت عيد القيامة الأرثوذكسي. إنبثق نور القيامة المقدس من قبر السيد المسيح الفارغ؛ طاف في الكنيسة؛ ثم شق العمود القائم على يسار مدخل الكنيسة من وسطه في طريقه لمقابلة جموع المؤمنين المحتشدين خارج الكنيسة. لا يزال هذا العمود قائما للآن مشقوقا من وسطه شاهدا ومعلنا حقيقة وقوة قيامة السيد المسيح التي تعطي حياة للمؤمنين به. إنزعج إبراهيم باشا لما حدث فأسرع إلى البطريرك القبطي يطلب منه الأمان.

( و) إستنتاج
(عودة إلى قائمة المحتويات)

خلال كل تاريخ البشرية حتى يومنا هذا، يعلن الله الحقيقي القدير الحي نفسه للبشرية، خليقته العاقلة، بمعجزات وقوات عظيمة لكي يؤكد صدق وصحة وأصالة وحيه للبشرية؛ لكي يعلن سماته القدسية؛ ولكي يرد على أعمال الناس وصلوات المؤمنين.

صدّق الله على الوحي إلى موسى النبي وأكد وأثبت صحته بواسطة معجزات قوية. شعّ وتألق من يسوع المسيح وجود الله بواسطة تعاليمه وأعماله التي إشتملت على معجزات قويه كثيرة شهدت على سلطانه الإلهي وقوته للخلاص. على عكس ذلك، عجز محمد عن فعل أية معجزات على الإطلاق؟ لم تُثبت أية معجزات صحة إدعاءات محمد بالنبوه. في الواقع أن محمد قد أعلن في القرآن أنه لا يستطيع أن يفعل أية معجزات: "وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ" (العنكبوت 29: 50)؛ "أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً" (الإسراء 17: 93).

معجزات وقوّات الرب الإله له المجد ضرورية وأساسية جدّا لفهمنا للإله الحقيقي الحي ولإيماننا به، ولثقتنا بعمله الخلاصي في حياتنا ونفوسنا. ألإله الذي لا يعلن عن ذاته بمعجزات وقوات هو مجرد فكرة نظرية تعيش فقط في عقل ومُخيلة الشخص الذي يؤمن بها. هو إله لا حول له ولا قوة. هو إله لا يوجد في الواقع.