المحبة الأعظم،
والولاء الأعظم...

"تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى"
(مَرْقُسَ 12: 30؛ مَتَّى 22: 37)

قائمة المحتويات:
أ) مقدمة
ب) أمثلة من العهد القديم للكتاب المقدس
ج) أمثلة من العهد الجديد للكتاب المقدس
د) إستنتاج


آيات للتأمل من الكتاب المقدس:
"ثُمَّ إِنْ طَلبْتَ مِنْ هُنَاكَ الرَّبَّ إِلهَكَ تَجِدْهُ إِذَا التَمَسْتَهُ بِكُلِّ قَلبِكَ وَبِكُلِّ نَفْسِكَ" (التَّثْنِيَةِ 4: 29)؛ "اُطْلُبُوا الرَّبَّ فَتَحْيَوْا..." (عاموس 5: 6)؛ "أَنَا أُحِبُّ الَّذِينَ يُحِبُّونَنِي وَالَّذِينَ يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ يَجِدُونَنِي" (أمثال 8: 17)


أ) مقدمة

الله القدير ضابط كل شيء. لقد خلق كل شيء من العدم لصلاحه الفائض. أعطى الوجود للعدم لأجل مجد اسمه القدوس. كل شيء تحت سلطانه وسيادته. قوانين الطبيعة التي أسسها تحكم الكون. هو أعلى وأسمى كائن في الكون. الإنسان هو إكليل خليقته. في الإنسان تتحد الطبيعة المرئية مع الغير مرئية، المادة والروح، الجسد والنفس.

الإله الخالق هو الحاكم الأعلى للكون. يود أن يسير الإنسان معه في حياة شركة، وأن يتجاوب معه، وأن يطيعه بحرية لكي ما ينضج الانسان روحيا إلى مرتبة رفيعة من القداسة أرادها الله له عندما خلقه في حالة من البراءة والبساطة. يريد الله أن يقبله الإنسان بحرية كالحاكم الأعلى على أفكاره وسلوكه وحياته. لا يقبل الله المرتبة الثانية أو الثالثة في حياة الإنسان لأنه هو الله القدير الأعلى من كل شيء. يجب أن يكون أعلى وأرفع من أي شيء أو أي شخص آخر في حياة الإنسان. قال الرب: "مَنْ أَحَبَّ أَباً أَوْ أُمّاً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي وَمَنْ أَحَبَّ ابْناً أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي" (متى 10: 37).

لهذا حرّم الله عبادة الأوثان. "لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلَهَكَ..." (خروج 20: 3-5؛ تثنية 5: 8-9؛ الخ). في العصور القديمة، تألفت الوثنية من عبادة أصنام مرئية مصنوعة من الخشب، والحجر، والفضة، والذهب، إلخ. لكن التعريف الأكثر عمومية للوثنية هو ارتباط الإنسان وتعلقه بشيء أو بشخص أقوى من ارتباطه وولائه لله. هذه الأشياء هي أصنام في حياة الشخص المتعلق بها بشدة. قد يكون الصنم مهنة، شهرة، مركز، سلطة، مال، طعام، شراب، والد، أخ، زوج، زوجة، إلخ. أهمية الله في حياة الوثني أقل من هذه الأمور التي هي حبه وولائه الأعظم. يجب أن يكون الله القدير فوق هذه الأصنام، وليس تحتها. يجب أن يكون الله هو الحب الأول والولاء الأول الأهم في حياة الشخص. "طُوبَى لِحَافِظِي شَهَادَاتِهِ. مِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ يَطْلُبُونَهُ" (مزمور 119: 2؛ مرقس 12: 30؛ متى 22: 37؛ الخ).

وحي الطبيعة المخلوقة يؤدي إلى بحث الإنسان عن الله. اذا كان الإنسان صادقا في بحثه، سوف يجده، كما تعلن كلمة الله في الكتاب المقدس. "ثُمَّ إِنْ طَلبْتَ مِنْ هُنَاكَ الرَّبَّ إِلهَكَ تَجِدْهُ إِذَا التَمَسْتَهُ بِكُلِّ قَلبِكَ وَبِكُلِّ نَفْسِكَ" (تثنية 4: 29). "...الرَّبُّ مَعَكُمْ مَا كُنْتُمْ مَعَهُ وَإِنْ طَلَبْتُمُوهُ يُوجَدْ لَكُمْ وَإِنْ تَرَكْتُمُوهُ يَتْرُكْكُمْ" (أَخْبَارِ الأَيَّامِ الثَّانِي 15: 2). "اُطْلُبُوا الرَّبَّ فَتَحْيَوْا..." (عاموس 5: 6؛ الأمثال 8: 17؛ عبرانيين 11: 6، إلخ).

من سمات الإنسان في حالته الخاطئة انه يعرف الكثير من الحقائق لكنه لا يستجيب لها. المشكلة أن الإنسان لا يبحث عن الإله الحي الحقيقي (إشعياء 55: 6؛ عاموس 5: 4، 6). بدلا من ذلك، فإما انه يتجاهله تماما، أو يقلل من شأنه في حياته ويهتم بأشياء أخرى—أصنام يعبدها ويعتبرها أكثر أهمية من الإله الحي: "لأَنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ آبَاراً آبَاراً مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً" (إرميا 2: 13).

عاش الكثير من الرجال والنساء حياة الإيمان على هذا المستوى من الحب والولاء القوي الكامل للإله القدير. سنورد هنا بعض الأمثلة التي توضح مدى حبهم وولائهم للإله الحي.

ب) أمثلة من العهد القديم للكتاب المقدس

1. تضحية إبراهيم بابنه

حوالي 2000 سنة قبل المسيح، أراد الله أن يختبر إيمان إبراهيم، فطلب منه أن يقدم ابنه كذبيحة لإرضاء الله على جبل. قال الله لإبراهيم: "خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ الَّذِي تُحِبُّهُ إِسْحَاقَ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ" (تكوين 22: 2). كان إسحاق ابن إبراهيم الوحيد الذي وعده الله به من زوجته سارة في شيخوختهما. عند ميلاد إسحق، كان إبراهيم يبلغ أكثر من مائة سنة، وزوجته سارة أكثر من تسعين سنة (تكوين 17: 17 ). لم يتوقع إبراهيم أطفالا من سارة بعد إسحاق. ومع ذلك، كان حبه وولائه لللإله الحي أقوي بكثير من حبه لابنه الوحيد من سارة زوجته. لذلك، أطاع إبراهيم أمر الله. "فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ حَطَبَ الْمُحْرَقَةِ وَوَضَعَهُ عَلَى إِسْحَاقَ ابْنِهِ وَأَخَذَ بِيَدِهِ النَّارَ وَالسِّكِّينَ. فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعاً. فَلَمَّا أَتَيَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ الْمَذْبَحَ وَرَتَّبَ الْحَطَبَ وَرَبَطَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ. ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ" (تكوين 22: 6، 9-10). فلما رأى الله إيمان وولاء إبراهيم القوي، "فَنَادَاهُ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «إِبْرَاهِيمُ إِبْرَاهِيمُ». فَقَالَ: «هَئَنَذَا». فَقَالَ: «لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئاً لأَنِّي الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي». فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ مُمْسَكاً فِي الْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ الْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضاً عَنِ ابْنِهِ" (تكوين 22: 11-13 ).

2. داود وجليات

في عهد الملك شاول، أحد ملوك إسرائيل القديمة (~1050-1010 ق.م.)، "اصْطَفَّ إِسْرَائِيلُ وَالْفِلِسْطِينِيُّونَ صَفّاً مُقَابِلَ صَفٍّ (للقتال)" (صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ 17: 21 ). تحدى محارب عملاق من جيش الفلسطينيين يدعى جليات جيش إسرائيل لمدة أربعين يوما لتقديم رجل للقتال معه. طلب أن يتقدم جندي من جيش إسرائيل ليقاتله حتى الموت، والذي يغلب في هذه المبارزة يفوز بالنصر لجيشه. لم يجرؤ أحد على التقدم لقتاله خوفا من قوته الجبارة. داود بن يسى "...كَانَ غُلاَماً وَأَشْقَرَ جَمِيلَ الْمَنْظَرِ" (صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ 17: 42)، وكان أصغر من أشقائه السبعة. اعتاد أن يرعى غنم أبيه، ولم يكن جنديا مدربا في فن القتال. رد داود على تحدي جليات قائلا: "أَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ بِسَيْفٍ وَبِرُمْحٍ وَبِتُرْسٍ. وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ بِاسْمِ رَبِّ الْجُنُودِ إِلَهِ صُفُوفِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ عَيَّرْتَهُمْ. هَذَا الْيَوْمَ يَحْبِسُكَ الرَّبُّ فِي يَدِي فَأَقْتُلُكَ وَأَقْطَعُ رَأْسَكَ ... " (صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ 17: 45-46). قاتل داود المحارب العملاق بدون سيف ودرع. "فَتَمَكَّنَ دَاوُدُ مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّ بِالْمِقْلاَعِ وَالْحَجَرِ، وَضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيَّ وَقَتَلَهُ ... " (صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ 17: 50). أحب داود إلهه أكثر من حياته الشخصية. كان ولائه لإله أهم اعتبارا لديه. فيما بعد، أقام الله داود كأعظم ملك على إسرائيل القديمة (~1010-970 ق.م.)، وأثنى عليه قائلا: "... وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي الَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي" (أعمال الرسل 13: 22 ).

3. رَاعُوث

غادرت عائلة من بني إسرائيل مكونة من رجل وزوجته نعمي وابنيهما دارها ببيت لحم باليهودية، وذهبت للعيش في أرض موآب (شرق البحر الميت) بسبب مجاعة. اتخذ أبنيهما زوجتين مؤابيتين. مات الرجال الثلاثة. أرادت نعمي العودة إلى قومها في بيت لحم. حثت كنتاها على البقاء والزواج في أرض موآب لأن فرص زواجهما ضئيلة في بيت لحم. وافقت إحداهما، أما الأخرى، راعوث، فرفضت أن تترك نعمي، وأصرت على الذهاب معها إلى بيت لحم، قائلتا: " ... حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبُ وَحَيْثُمَا بِتِّ أَبِيتُ. شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلهُكِ إِلهِي" (راعوث 1: 16). آمنت راعوث بإله إسرائيل. علمت أن بقائها في أرض موآب يعرضها إلى ضغوط للعودة إلى عبادة اوثان قومها موآب. كانت محبة راعوث وولائها لله أقوى من تعلقها بقبيلتها، وأقوى من أملها في الزواج يوما ما. كافأ الله راعوث لولائها له بمنحها زوجا وأسرة، وبوضعها في سلسلة نسب السيد المسيح (متى 1: 5). توضح قصتها تعليم السيد المسيح: "اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ" (متى 6: 33).

4. استشهاد سبعة أشقاء

في عام ~168 قبل الميلاد، أمر الملك اليوناني الطاغية أنطيوخوس الرابع، الذي حكم الشام من 175 إلى 164 ق.م.، اليهود في ظل حكمه تناول طعام حرمته التوراة (لحم الخنزير وذبائح مقدمة للأصنام). رفض سبعة أشقاء يهود وأمهم الأرملة العجوز الانصياع لأمره على الرغم من اغرائاته وتهديداته الكثيرة. أمر بتعذيبهم بطرق وحشية قاسية جدا مبتدءا بالشقيق الأكبر، ثم قتلهم واحدا تلو الآخر بالنار أمام أمهم العجوز، التي شجعتهم على المثابرة والإحتمال طوال الوقت. وأخيرا قام بحرقها (المكابيين الرابع 8: 3-12: 19؛ 17: 1). لقد أحب هؤلاء الأخوة السبعة وأمهم الأرملة الرب الإله أقوى بكثير من تمسكهم بحياتهم الدنيوية.

ج) أمثلة من العهد الجديد للكتاب المقدس

1. تضحية يسوع على الصليب

قبل اعتقاله في ضيعة جَثْسَيْمَانِي، صلى يسوع بأشد لجاجة أن يعفيه الله الآب من عذاب الصليب، قائلا: "يَا أَبَتَاهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ" (لوقا 22: 42؛ متى 26: 39-44؛ مرقس 14: 36-39). اختار يسوع بإرادته الحرة أن يقدم إرادة الله الآب على إرادته البشرية، فأطاع إرادة الله طاعة كاملة، وقبل العذاب وموت الصليب ليفدي البشرية الساقطة. أحب يسوع الله الآب أكثر من حياته الزمنية على الأرض. كان الدافع الرئيسي لقبوله الصليب هو حبه وولائه لله الآب. كان هذا الحب الإلهي أقوى من أي اعتبارات أخرى في حياته. عبر عن هذا عندما قال: "وَلَكِنْ لِيَفْهَمَ الْعَالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآبَ وَكَمَا أَوْصَانِي الآبُ هَكَذَا أَفْعَلُ" (يوحنا 14: 31).

2. دعوة الرسل

يخبرنا الإنجيل أنه عندما دعا يسوع تلاميذه، تركوا كل شيء وتبعوه. كان التزامهم وولاءهم له أقوى بكثير من التزامهم وولاءهم لأي شيء آخر في حياتهم، بما في ذلك مهن، وأعمال تجارية، الخ. "وَإِذْ كَانَ يَسُوعُ مَاشِياً عِنْدَ بَحْرِ الْجَلِيلِ أَبْصَرَ أَخَوَيْنِ: سِمْعَانَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ وَأَنْدَرَاوُسَ أَخَاهُ يُلْقِيَانِ شَبَكَةً فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُمَا كَانَا صَيَّادَيْنِ. فَقَالَ لَهُمَا: «هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ». فَلِلْوَقْتِ تَرَكَا الشِّبَاكَ وَتَبِعَاهُ. ثُمَّ اجْتَازَ مِنْ هُنَاكَ فَرَأَى أَخَوَيْنِ آخَرَيْنِ: يَعْقُوبَ بْنَ زَبْدِي وَيُوحَنَّا أَخَاهُ فِي السَّفِينَةِ مَعَ زَبْدِي أَبِيهِمَا يُصْلِحَانِ شِبَاكَهُمَا فَدَعَاهُمَا. فَلِلْوَقْتِ تَرَكَا السَّفِينَةَ وَأَبَاهُمَا وَتَبِعَاهُ" (متى 4: 18-22؛ لوقا 5: 10-11 ). "وَبَعْدَ هَذَا خَرَجَ فَنَظَرَ عَشَّاراً اسْمُهُ لاَوِي جَالِساً عِنْدَ مَكَانِ الْجِبَايَةِ فَقَالَ لَهُ: «ﭐتْبَعْنِي». فَتَرَكَ كُلَّ شَيْءٍ وَقَامَ وَتَبِعَهُ" (لوقا 5: 27-28 ). استشهد جميع رسل المسيح فيما عدا يوحنا الرسول الذي توفي بشكل طبيعي من الشيخوخة. أنهم أحبوا المسيح أكثر من حياتهم.

3. ألقديسة مريم العذراء، والدة يسوع

أرسل الله الملاك جبرائيل لمريم العذراء ليعلن لها أنها سوف تحبل وتلد يسوع (لوقا 1: 26-38). على الرغم من أن الحمل قبل الزواج قد يجلب العار عليها، خضعت العذراء مريم لإرادة الله وقبلت مشيئته لها. فقالت للملاك: "هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ ..."(لوقا 1: 38). كان حب وولاء العذراء مريم لله أقوى بكثير من قلقها على سمعتها. قد يعرضها الحمل قبل الزواج لعقوبة الموت. لكنها أحبت الله أكثر من حياتها. العذراء مريم هي حواء الجديدة. طاعتها لإرادة الله عكست عصيان حواء الأولى في الجنة القديمة. جلبت حواء الأولى الموت للبشرية. بينما جلبت حواء الجديدة، القديسة مريم العذراء، الحياة للبشرية.

د) إستنتاج

في العصر المسيحي الأول (الثلاثة قرون الأولى للمسيحية)، عانى المسيحيون من الاضطهاد الروماني الوحشي المتعاقب. كثيرون منهم فضّلوا العذاب والموت تحت نير الإضطهاد الروماني الدامي على ترك المسيح. كان إضطهاد الإمبراطور الروماني دقلديانوس في القرن الرابع الميلادي (303-305) أكثر هذه الإضطهادات وحشية. لكنه فشل في منع المسيحية من الإنتشار. أحب شهداء المسيحية المسيح أكثر من حياتهم.

بدأت حركة الرهبنة المسيحية في القرن الرابع الميلادي. يتخلى الرجال والنساء عن كل اهتمامات العالم ومادياته، ويكرسون حياتهم للعبادة والتأمل والخدمة، بدون بحث عن أي مكافآت مادية أو زمنية. يموتون للعالم. يحبون المسيح أكثر من أي شيء في هذا العالم.

لم يمسك الله ابنه الوحيد عن خلاص الإنسان. كما لم يمسك السيد المسيح أي شيء عن فداء الإنسان. ترك مجده السماوي الأبدي، متجسدا في شكل الإنسان، وذهب إلى صليب العذاب والخزي ليفدي الإنسان، ولكي يمنحه فرصة بداية جديدة متحررا من قيود الطبيعة البشرية الساقطة. انه يتوقع ان يعامله الانسان بالمثل بتفضيله وتقديمه على كل شيء آخر في حياته، بدون أن يمسك أي شيء عنه. لا يرضى الرب الإله بجزء من قلب الإنسان واهتمامه. انه يريد قلب الإنسان واهتمامه بأكملهما. لا يقبل الله المركز الثاني في حياة الإنسان. ينبغي أن يكون الله هو الحب الأول والولاء الأعظم في حياته. لا بد أن يحتل الرب مركز فكره وحياته. ينبغي أن يكون كل شيء في حياة الإنسان خاضعا لمشيئة الله (خروج 20: 3-5؛ تثنية 5: 7-9؛ لوقا 14: 26؛ متى 10: 37) . أعرب القديس أوغسطينوس عن السلام والراحة اللذان يختبرهما الإنسان في ولائه الكامل للرب الإله عندما تأمل قائلا: "لقد خلقتنا لنفسك يارب، ولا تهدأ قلوبنا حتى تستريح فيك."

يحذر الرب من الدينونة لأولئك الذين لا يقدمونه على كل اهتمامات أخرى في حياتهم. "لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكِ نَسِيتِنِي وَطَرَحْتِنِي وَرَاءَ ظَهْرِكِ فَتَحْمِلِي أَيْضاً رَذِيلَتَكِ وَزِنَاك" (حزقيال 23: 35؛ إرميا 2: 27؛ الملوك الأول 14 : 9؛ لوقا 14: 16-24؛ الخ). كما طلب الرب من إبراهيم تضحية ابنه الحبيب إسحق، يطلب من كل إنسان أن يُبجّله ويرفعه فوق أعز الأشياء لديه ليصبح إله حياته. كيف سوف تستجيب هذا الطلب؟ هل سيكون الرب الإله الحب الاول والولاء الأعظم في حياتك؟