تسامح، لا تدين ...


آيات للتأمل من الكتاب المقدس:
"لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا" (متى 7: 1)؛ "لأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ بِلاَ رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً، وَالرَّحْمَةُ تَفْتَخِرُ عَلَى الْحُكْمِ" (يعقوب 2: 13)؛ "وَأَمَّا أَنْتَ فَلِمَاذَا تَدِينُ أَخَاكَ؟ أَوْ أَنْتَ أَيْضاً لِمَاذَا تَزْدَرِي بِأَخِيكَ؟ لأَنَّنَا جَمِيعاً سَوْفَ نَقِفُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ" (رومية 14: 10)؛ "وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضاً فِي الْمَسِيحِ" (أفسس 4: 32).


في مجيئه الأول، جاء السيد المسيح ليشفي ويجدد، وليس ليدين؛ ليخلص، وليس ليعاقب؛ ليصلح، وليس ليدمر. "رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ. لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ (المسيح) قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ" (لوقا 4: 18؛ 19: 10). قام بعمل الكثير من معجزات شفاء المرضى. في بعض هذه المعجزات، شفى النفس البشرية أولا من جراح الخطيئة ، قبل أن يشفي الجسد المريض (متى 9: 2؛ لوقا 7: 48؛ يعقوب 5: 15).

يريد السيد المسيح أن يشفي ويجدد ويخلص كل البشرية: "لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا 3: 16)؛ "وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا" (رومية 5: 8). "لأَنَّ هَذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا اللهِ، الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (تيموثاوس الأُولَى 2: 3-4؛ مزمور 86: 15؛ متى 5: 43-46؛ بطرس الثانية 3: 9؛ أفسس 2: 4؛ إرميا 31: 3). لا يسر الله هلاك خاطىء: ". . . حَيٌّ أَنَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا. . . "(حزقيال 33: 11؛ 18: 23، 32؛ لوقا 15: 2-32).

قدم الزعماء الدينيون لليهود ليسوع امرأة أُمسكت في الزنا. سألوه عما إذا كان ينبغي رجمها حتى الموت بحسب شريعة موسى النبي. أجابهم قائلا: "... مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ" (يوحنا 8: 7). أراد يسوع أن يخلص المرأة الزانية التائبة، وليس أن يدينها ويحكم عليها بالموت والهلاك. أراد أن يشفي نفسها الجريحة ويعتقها من عبودية الخطيئة، وليس أن ينهي رجائها. بعدما غادر المشتكون عليها المكان "... قَالَ لَهَا: "يَا مْرَأَةُ أَيْنَ هُمْ أُولَئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟" فَقَالَتْ: "لاَ أَحَدَ يَا سَيِّدُ." فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: "ولاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضاً." ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً قَائِلاً: "أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ"" (يوحنا 8: 10-12؛ 4: 1-26؛ لوقا 7: 36-50). في صفحه عن الزانية التائبة، عبر يسوع عن المحبة والرحمة الفائضة لإله الإنجيل الحقيقي الحي. انه أراد أن يعطيها حياة جديدة وبداية جديدة نقية خالية من الخطيئة. فهو نور الحياة.

يروى لوقا 19: 1-10 لقاء يسوع مع زكا العشار (جابي ضرائب). كان زكا رئيس العشارين في مدينة أريحا التي كانت مركز جمارك كبير في ذلك الحين. اكتسب جابي الضرائب دخله وثروته بابتزاز المزيد من المال من الناس عما كان عليه أن يدفعه للسلطة الرومانية المحتلة. لذلك كان جباة الضرائب منبوذين في المجتمع واحتقرهم الناس ونظروا إليهم كخطاة متآمرين مع سلطات الاحتلال الروماني المكروه. كان عملهم يعتبر غير شريف وغير أمين. زار يسوع زكا العشار في منزله. قدم زكا توبة صادقة. "فَوَقَفَ زَكَّا وَقَالَ لِلرَّبِّ: "هَا أَنَا يَا رَبُّ أُعْطِي نِصْفَ أَمْوَالِي لِلْمَسَاكِينِ وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ"" (لوقا 19: 8). لم يدن ويحكم السيد المسيح على زكا العشار للسنوات التي قضاها في ابتزاز الأموال وغش واستغلال الناس. بدلا من ذلك، شفى يسوع نفس زكا وجدده روحيا، ثم أعلن: "... ﭐلْيَوْمَ حَصَلَ خَلاَصٌ لِهَذَا الْبَيْتِ ..." (لوقا 19: 9).

عند خيانة يهوذا للسيد المسيح بقبلة في البستان عشية صلبه، لم يدينه يسوع لخيانته. بل قال له بروح الصداقة: "... يَا صَاحِبُ لِمَاذَا جِئْتَ؟ ... " (متى 26: 50). في آلام موته على الصليب، لم يدين ويحكم يسوع على أولئك الذين صلبوه. بدلا من أن يلعنهم، صلى حتى يغفر لهم الله، قائلا: "... يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لوقا 23: 34).

قد علمنا يسوع أن نحذوا حذوه، قائلا: "لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ. وَلِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟ أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْنِي أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ. يَا مُرَائِي أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّداً أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ" (متى 7: 1-5؛ لوقا 6: 37). يوصينا يسوع ألا ننتقد وندين الآخرين. إدانة الآخرين لا تتفق مع محبتهم والصفح عنهم. ينبغي أن تنعكس محبة إله الإنجيل في حياة المسيحيين. علمنا السيد المسيح، قائلا: "بِهَذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضاً لِبَعْضٍ" (يوحنا 13: 35). "أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ هَذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلَكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ" (كورنثوس الأولى 13: 13).

أحب يعقوب يوسف، ابن شيخوخته من زوجته المفضلة الراحلة راحيل، أكثر من أبنائه الآخرين (تكوين 37: 3-4). عامله معاملة أفضل علنا، وأعطاه قميصا ملونا يرمز إلى تفضيله على إخوته (تكوين 37: 3). لذلك، كرهه إخوته، وتآمروا ضده، وباعوه أخيرا كعبد في سوق النخاسة. لم يدن يوسف إخوته ولم يعاقبهم للشر الذي قد لحق به. بل فعل بهم الخير وسامحهم بعد أن أصبح حاكم مصر، قائلا: "...لاَ تَخَافُوا. لأَنَّهُ هَلْ أَنَا مَكَانَ اللهِ؟ أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرّاً أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْراً لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا الْيَوْمَ لِيُحْيِيَ شَعْباً كَثِيراً. فَالْآنَ لاَ تَخَافُوا. أَنَا أَعُولُكُمْ وَأَوْلاَدَكُمْ... "(تكوين 50: 19-21). أبرأت مغفرته علاقتهم المريضة وضمدت الجراح القديمة، وجمعت شمل الأسرة مرة أخرى.

كره عيسو، ابن اسحاق، أخيه يعقوب لأنه قد أخذ منه حق البكورية وبركة أبيه (تكوين 27: 36، 41). مرت السنوات، وقرر عيسو أن يسامح شقيقه. عندما التقى به أخيرا، "رَكَضَ عِيسُو لِلِقَائِهِ وَعَانَقَهُ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ. وَبَكَيَا" (تكوين 33: 4). أبرأ تسامح عيسو علاقتهما المكسورة، وأعاد السلام لأسرتهم.

المعيار الذي نحكم به على الآخرين سيحكم علينا. الرحمة التي نعطيها هي الرحمة التي سنحصل عليها. النقد والحكم على الآخرين هو محاولة اغتصاب إحدى امتيازات وحقوق الله وحده. "وَاحِدٌ هُوَ وَاضِعُ النَّامُوسِ، الْقَادِرُ أَنْ يُخَلِّصَ وَيُهْلِكَ. فَمَنْ أَنْتَ يَا مَنْ تَدِينُ غَيْرَكَ؟" (يعقوب 4: 12؛ 2: 13). هذه هي سلطة وسيادة الله وحده. لا نستطيع أن نحكم على الآخر حكما عادلا لأننا لا نعرف كل الحقائق عن خلفيته، دوافعه، معاناته، ثقافته، إلخ. الله وحده يعلم كل الحقائق. لذلك، الله وحده قادر أن يحكم بالعدل. يستند حكمه على الحقيقة. هذا لا يستبعد المحاكم المدنية والقضاة. لكن ينبغي اقتلاع روح النقد القاسية ألتي تجد خطأ باستمرار في الآخرين. في كثير من الأحيان نفعل نفس الاشياء التي ندين بها الآخرين. "لِذَلِكَ أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ كُلُّ مَنْ يَدِينُ. لأَنَّكَ فِي مَا تَدِينُ غَيْرَكَ تَحْكُمُ عَلَى نَفْسِكَ. لأَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ تَفْعَلُ تِلْكَ الأُمُورَ بِعَيْنِهَا" (رومية 2: 1).

ندين الخطيئة، لكننا لا ندين الخاطئ. نحن لا نحكم على الخاطئ، بل نحبه، ونصلي لأجل توبته وخلاصه. "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنِ انْسَبَقَ إِنْسَانٌ فَأُخِذَ فِي زَلَّةٍ مَا، فَأَصْلِحُوا أَنْتُمُ الرُّوحَانِيِّينَ مِثْلَ هَذَا بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ، نَاظِراً إِلَى نَفْسِكَ لِئَلاَّ تُجَرَّبَ أَنْتَ أَيْضاً" (غلاطية 6: 1؛ يوحنا الأولى 5: 16). من ناحية أخرى، من حق الكنيسة والتزامها إدانة تعاليم الهراطقة، وحرمانهم من عضوية الكنيسة من أجل حماية المجتمع المسيحي بأسره من العثرة والفساد، مع الأخذ في الاعتبار أن باب التوبة والتجديد مفتوح على مصراعيه للتائبين (كورنثوس الأولى 5: 1-8؛ تيموثاوس الأولى 6: 3-5).